الگارح ابو سالم-Cap24-
غدًا، 30 من أكتوبر، سيجدّد مجلس الأمن الدولي ولايته لبعثة المينورسو في الصحراء المغربية، لكن هذه المرة ليس ككلّ مرة. فقرار التجديد لثلاثة أشهر فقط بدل سنة كاملة، يحمل في طيّاته إشارة سياسية عميقة: الأمم المتحدة تريد أن تواكب إيقاع التحوّل السريع في هذا الملف، وتفتح الباب لحلٍّ سياسيٍّ نهائيٍّ يقوم على الواقعية لا على الأوهام.
لكن جوهر المستجد لا يكمُن في المدة، بل في اللغة الجديدة التي أصبحت تعتمدها الأمم المتحدة، والمتماشية مع الموقف الأمريكي الداعم لمبادرة الحكم الذاتي المغربية باعتبارها أساس أي مفاوضات مقبلة. والاتجاه واضح: لا استفتاء، لا انفصال، ولا مكان لأطروحات فقدت بريقها.
لقد دارت عجلة التاريخ. نصف قرن من الصراع والمناورات بلغ اليوم لحظة الحقيقة والجزائر التي كانت وراء صناعة وهم “تقرير المصير”، تجد نفسها اليوم أمام مشهدٍ أمميٍّ جديد، لا يتحدث بلغة الحرب الباردة، ولا يعترف بشعارات منتهية الصلاحية. العالم تغيّر، والمصالح تغيّرت، والمغرب بدوره تغيّر، بينما النظام الجزائري ظل أسير ماضٍ لم يعد يقنع حتى أبناءه.
منذ السبعينات، جعلت السلطة في قصر المرادية من ملف الصحراء فزّاعةً تلوّح بها كلما ارتفعت الأصوات المطالبة بالإصلاح أو المحاسبة. قضية خارجية استُعملت كسلاحٍ داخلي لإخماد كل سؤال مشروع: لماذا بلدٌ غنيٌّ بالنفط والغاز يعيش فيه الشعب أزمة سكنٍ، وبطالةٍ، ويقف في طوابير من أجل لتر حليب؟ لماذا يُصرف المال العام في تمويل كيانٍ وهميٍّ في تندوف، بينما الشباب الجزائري يهاجر على قوارب الموت؟
هذه الأسئلة لا تحتاج إلى “بوليساريو” لتُجاب، بل إلى شجاعة مواجهة الذات. لكن النظام الجزائري فضّل دومًا سياسة الهروب إلى الأمام، متخفيًا وراء أطروحة فقدت كل معنى.
لقد أراد حكام المرادية أن يجعلوا من الصحراء المغربية مرآة يخفون وراءها تصدّعات الداخل، لكنهم اليوم يُجبرون على النظر في تلك المرآة، فإذا بها تعكس صورتهم الحقيقية: دولة تُهدر مواردها على وهمٍ سياسيٍّ يحتضر.
التحوّلات الجيوسياسية الراهنة أكدت أن العالم لم يعد يراهن على الشعارات، بل على الاستقرار والتنمية. المغرب فهم هذه المعادلة مبكرًا، فاستثمر في أقاليمه الجنوبية: موانئ كبرى، جامعات حديثة، مشاريع طاقية وريحية، وبنيات تحتية تضاهي كبريات المدن. تحوّلت الصحراء إلى فضاءٍ منتج للحياة، بينما بقي خصومها أسرى خطابٍ غارق في زمن الماضي.
واليوم، المفارقة أن الجزائر، وهي عضو غير دائم في مجلس الأمن، ستكون حاضرة في قاعة التصويت على القرار الذي يكرّس نهاية مرحلةٍ كانت هي صانعتها. قد تمتنع عن التصويت، وقد تتحفّظ كعادتها، لكن التاريخ لا يرحم الرموز: الدولة التي صنعت الأزمة تجد نفسها شاهدةً على أفولها.
هنا يجب أن يتوقّف الشعب الجزائري، لا شماتةً ولكن تفكيرًا، لقد حان الوقت ليدرك أن مشكلته ليست في المغرب، بل في من حوّل اهتمامه عن قضاياه الحقيقية لعقودٍ طويلة. فالمغرب ماضٍ في البناء، والعالم يصفّق لواقعيته، بينما النظام الجزائري ما يزال يبيع لشعبه روايةً لم يعد أحد يشتريها.
إن ما يجري اليوم في مجلس الأمن ليس مجرد قرارٍ تقنيٍّ، بل درس تاريخيّ يجب أن يُقرأ بعمق: من يصنع الوهم يبتلعه الوهم في النهاية.
فالعالم يمضي إلى الأمام، والمغرب يرسّخ مكانته في الجنوب، بينما الجزائر ما تزال تفتّش عن ماضيها في مرآة الغير،وذلك هو مكر التاريخ، حين يدور دورته كاملة: من صناعة الأسطورة إلى الشهادة على زوالها.
اللهم لا شماتة، ولكن لعلّها صحوة

