في ظل الاستعدادات لاستقبال فعاليات رياضية كبرى بالمغرب، برز مشهد غريب يدعو إلى وقفة نقدية جادة حول السياسات الإعلامية المتبعة من طرف الجهات المسؤولة، التي اختارت استدعاء عدد من “المؤثرين” المحليين والأجانب لحضور فعاليات كبرى مثل افتتاح الملعب لاكتشاف اخر تطورات “الملعب الكبير لطنجة”.
هذا الاستدعاء، الذي يكلف ميزانيات ضخمة، لم يترجم إلا إلى محتوى ضئيل وغير مهني، يتمثل في “ستوري” قصير على صفحاتهم بمواقع التواصل الاجتماعي، لا تتجاوز بضع ثوانٍ، ويغلب عليهم الطبل والإطراء المفرط دون أي تحليل موضوعي أو تغطية دقيقة للحدث.
المؤثرون الذين تم استقدامهم، والذين يفتقرون إلى التكوين الصحفي والمهني، صاروا بمثابة “بوق” تسويقي بامتياز، يعكسون فقط ما يراد لهم نقله، دون أي مساءلة أو نقد، وبالمقابل، غاب الإعلام الرياضي التقليدي، الذي يملك الأدوات والخبرة، لأنه ببساطة لم يعد مرغوبًا فيه من قبل المسؤولين الذين يخشون نقده الصريح وموضوعيته.
هذا الواقع يطرح تساؤلات عميقة حول جدوى هذه السياسات، التي تضع المال العام في خدمة ترويج سطحيات، وتفتح الباب أمام استغلال النفوذ والعلاقات الشخصية، على حساب الإعلام المهني الذي كان وما يزال الركيزة الأساسية لتوعية المجتمع وتغطية الأحداث بمهنية.
استمرار دعم هذه المنظومة المشوهة، التي تحوّل الإعلام إلى مهرجان من التطبيل والتسويق الفارغ، لا يخدم سوى مصالح فئات محدودة، بينما ينعكس سلبًا على جودة المشهد الإعلامي، وعلى حق الجمهور في الوصول إلى معلومات دقيقة وموثوقة.
هذه الظاهرة التي تشهدها الساحة الإعلامية اليوم، حيث يتحول المؤثرون إلى أدوات تسويق متجاوزة لرسالة الإعلام المهني، ليست مجرد انعكاس لتطورات رقمية عابرة، بل هي مؤشر خطير على انحراف السياسات الإعلامية التي تغذيها بعض الجهات المسؤولة، فالإعلام لا يمكن أن يكون مجرد منصة للعرض والتباهي، بل يجب أن يظل مرآة تعكس الحقيقة بكل أبعادها، ورافدًا أساسيًا لبناء وعي مجتمعي متين.
وفي ظل الاستحقاقات الرياضية الكبرى التي يعتزم المغرب استضافتها، يصبح من الضروري إعادة الاعتبار للصحافة المهنية التي تمتلك الأدوات والخبرة اللازمة لتغطية هذه الأحداث بشكل موضوعي ومتكامل، فالمشهد الإعلامي الوطني بحاجة إلى توازن يعزز من استقلالية الإعلام ويكفل حق الجمهور في الوصول إلى معلومات دقيقة وموثوقة، بعيدًا عن التبسيط والتزييف.

