من منيب إلى بنكيران
ما وجب علينا توضيحه في بداية هذا المقال أن نؤكد على أن مقاربتنا تعتمد بالأساس على تسليط الضوء على بعض الأفكار المغلوطة التي يحاول أن يروج لها كل من السيدة نبيلة منيبة والسيد عبدالإله بنكيران في موضوع العلاقات المغربية الإسرائيلية، وليس القصد من ذلك إطلاقا التشهير أو التجريح بشخصيهما، بقدر ما يتعلق الأمر بالكشف عن زيف وباطل يحاولون به التشويش على خيارات الدولة المغربية لدى الرأي العام المغربي.
القاسم المشترك في حملتهما المناهضة لما يسمونه بالتطبيع وهو أن حملتهما ترتكز على مغالطات تنم عن أنهما يخوضان في مواضيع عن جهل ولا قبل لهما بالوقائع التاريخية كي لا نقول أنهما يتعمدان صياغة أفكار مفبركة لمعاكسة تلك الخيارات الاستراتيجية.
من بين ذلك ما سبق أن أعلنت عنه الأستاذة الباحثة والجامعية السيدة نبيلة منيب من اتهامات خطيرة في حق المغرب قائلة إنه أرسل اليهود المغاربة إلى إسرائيل بنية السطو على أراضي الفلسطينيين وانتزاعها منهم وكأن من أولئك الفلسطينيين لم يبع أرضه بعد أن فضل الهجرة بحثا عن المال والثروة في مختلف بقاع العالم. ونؤكد للسيدة منيب أننا فيما نشير إليه من حقائق لم نبحث عنها ولم نجدها في إعلام مدسوس وموجه إيديولوجيا وعقائديا بل وقفنا عليها كما هي في الواقع، ومنها أن فلسطينيي المهجر أو كما تسمونهم أنتم بفلسطينيي الشتات، قد اختاروا حياتهم إلى الأبد في بلد تجنسوا بجنسيته من الأجداد إلى الآباء ثم الأبناء ثم الأحفاد. وسمعت منهم في جلسات خاصة ما لم تسمعينه سيدتي أنهم لا يفكرون في العودة إلى فلسطين حتى ولو أنشأت. وسألتهم عن السبب فكان الرد طبيعيا بالنسبة لهم ويرتكز أساسا على أنهم اعتادوا على العيش الرغيد في مجتمعات قائمة على الحرية وتحترم مواطنيها، فكيف لهم أن يعودوا بعد كل ذلك إلى المجهول والمشكوك في أمره. وكذلك عرب إسرائيل لهم نفس الموقف ولا تعنيهم العودة في شيء.
أستاذتي الفاضلة إن الحصان الذي تمتطينه لمقارعة توجهات المغرب هو حصان أعرج بسيف مكسور. وأدعوك إلى تغيير الحصان والسيف. وعودي إلى نفسك ستجدينها تدافع عن الشيطان. ولذلك، فإن معارضتك للعلاقات المغربية الإسرائيلية يجب أن تستقيم على حجة لعلها تكون ذات جدوى ومفيدة لإقناع المغاربة. فبالباطل والبهتان والافتراءات لا يمكن الوقوف أمام صلابة وقوة الخيارات المغربية. وما يؤكد ذلك هو الارتباك الذي وقع فيه شريكك في المناهضة ذو التوجه الإسلامي السيد عبدالإله بنكيران.
هذا القيادي الذي هو اليوم أمين عام حزب العدالة والتنمية أصبح مثيرا للشفقة وبات يضرب أخماسابأسداس ولا يلوي على شيء. بل يقول الشيء كما يقول نقيضه في هرج ومرج. هذا الرجل لا يتوقف عن سياسة اللعب على أكثر من حبل. ففي خرجته الإعلامية الأخيرة أعلن أن خيارات الدولة المغربية في إقامة العلاقات مع ما يقول عنها بدولة إسرائيل “لا يمكن أن ندينها بسبب مصالح كبيرة للدولة المغربية التي لها حساباتها والتي لا يعلمها إلا رئيس الدولة”. لكنه على النقيض من ذلك وفي نفس التصريح يستغربالسيد بنكيران تعاطي المغاربة كمسؤولين وكشعب بشكل إيجابي مع استئناف تلك العلاقات مع إسرائيل موضحا أنه لا يقبل بذلك. وأضاف أن الشعبين المصري والأردني لم يتفاعلا إيجابا مع علاقات بلديهما الرسمية مع إسرائيل وبالتالي كيف للشعب المغربي، في نظره، أن يخرج عن هذه القاعدة.
تصريحات السيد عبدالاله بنكيران منذ الوهلة الأولى تثير سيلا من الملاحظات، نحاول أن نختصر أهما في ما يلي:
1 ـ الرجل يعترف لأول مرة بأن كل الحملات المناهضة للتطبيع باءت بالفشل ولم تلق صدى شعبيا عند عامة المغاربة بدليل أنه ليس راض على مواقف المغاربة بصفةعامة والتي اعتبرها على حد قوله “إهانة”.
2 ـ الرجل لا يعارض التطبيع الرسمي للدولة المغربية بل يبرره بوجود مصالح كبرى، لكنه يحاول عبثا أن يحرض المغاربة على الخيارات الرسمية ويدعو إلى مقاطعتها بشكل يحث على القطيعة ما بين القيادة والقاعدة. بل أكثر من ذلك يريد أن يقول السيد بنكيران للشعب المغربي أنا لن أدين خيارات الدولة لكن أنت كشعب عليك أن تتخذ موقفا مناهضا للتطبيع.
3 ـ الرجل، وفي جهل مطبق، يقارن موقف الشعبين المصري والأردني الرافض للتطبيع مع موقف الشعب المغربي الإيجابي. ولذلك نقول له أن تلك المقارنة ليست في محلها ولا مجال لوضعها في ميزان المقارنة. وسنبين للسيد بنكيران ما يجهله ويصعب على قائد حزبي أن يخوض نقاشا عن جهل. ولذلك نحن هنا لنوضح له بعض الحقائق:
ـ المغرب، بسبب جغرافيته وتاريخه، بلد التسامح والتعايش وهو ملتقى لكل التيارات الحضارية والفكرية والدينية. وقد جبل المغاربة على أن يتعايشوا مع مختلف أبناء الديانات السماوية. فاليهود المغاربة كانوا دائما وأبدا من أهل هذا البلد الأمين لقرون خلت ومازالوا على نفس الحال، وسيبقون كذلك. فهذه هي طبيعة الشعب المغربي، فكيف يحق للسيد بنكيران يمحو ذلك بزلة لسان.
ـ تاريخ الشعب المغربي كان دائما موسوما بالتفاعل الإيجابي بين القيادة والقاعدة. وكل الخيارات التي كانت تتخذها الدولة كانت خيارات شعبية من منطلق أساسي يجده تفسيره في الدستور على اعتبار أن الملك هو رمزة سيادة هذه الأمة والضامن لوحدتها والساهر على استقرارها وأمنها. وما يقره جلالة الملك من موقعه يتفاعل معه شعبه بكل ما في الكلمة من معاني وأبعاد. ولنا في التاريخ ما يؤكد هذا التفاعل، منها ثورة الملك والشعب والمسيرة الخضراء ومسلسل ترسيم وتنزيل اللغة الأمازيغية التي يتلكأ فيها السيد ينكيران.
ـ لكل ذلك، لا يمكن للشعب المغربي إلا أن يتفاعل مع خيارات الدولة في استئناف العلاقات مع دولة إسرائيل لأن المغاربة ليسوا كالمصريين أو الأردنيين لسبب تربوي واجتماعي وهنا يكمن الفارق. فالمسلمة المغربية كانت ترضع ابن اليهودية المغربية، وكانوا يشاركون بعضهم مناسبات الأفراح والأتراح. البيوت كانت مفتوحة على بعضها البعض. هناك مليون يهودي مغربي في إسرائيل يزورون المغرب ويلتقون بجيرانهم في الأحياء أو المداشر ويستعيدون الذكريات في أجواء احتفالية لم تنل رضى سعادة أمين عام حزب العدالة والتنمية.
ـ في سابقة من نوعها على نطاق البروتوكول العالمي، لم يسبق لأي مسؤول لدولة ما أن يخرق البروتكول ويؤدي التحية لرئيس الدولة مثل ما فعل “مائير شبات” رئيس المخابرات الإسرائيلية أمام جلالة الملك قائلا “الله يبارك ف عمر سيدي”.
ولعل ختامه مسك أستاذي عبدالاله بنكيران. وأدعوك قبل أن تطالع المغاربة بتصريح ما عليك أن تعي ما تقول. فأنت متحدث وتجيد الكلام لكن الخوض في النقاش عن جهل قد يكون مضرا. وهي مناسبة لكي تراجع نفسك وتتخلى عن سياسة اللعب على الحبال.