في انتظار البدائل.. صناعة الخوف تغزو فضاءات الإعلام..!
عمليات التواصل ونقل الاخبار والأفكار والتأثير في الراي العام… شكلت الشغل الشاغل للعديد من المؤسسات منذ وقت طويل.. تطور الأمر مع اختراع الألماني “غوتنبيرغ” لآلـــة الطباعة في سنوات 1400..ثم الراديو و التلفزيون و وصولا الى وقتنا المعاصر والطفرة الالكترونية والرقمية وشبكات التواصل الاجتماعي والاعلام البديل و الذكاء الاصطناعي..
وبالموازاة مع هذا السعي في الحصول على المعلومة و تداولها بسرعة و يسر و حرية ..تطور الامر ليصبح حقا من حقوق الانسان و تم دسترتها في اغلب البلدان زيادة في الاطمئنان..
في حين دفعت صراعات سياسية و حروب و عمليات أمنية و استقطابات و اختراقات…الى الرغبة في التحكم في منسوب الاخبار و توجيهها و امتلاك مصادر دعمها و مصادر اخبارها.. و توجيه الراي العام في أوقات السلم أو الحرب، و في الركوض أو الانتعاش الاقتصادي ، و في زمن السلم المجتمعي أو الاحتقان الاجتماعي…حتى اصبحنا أمام مشهد يعج بمدارس التكوين و معاهد كبرى في مجال الاعلام و التواصل…بالإضافة الى مؤسسات إعلامية وطنية و دستورية، ووصل الأمر الى اعتبارها السلطة الرابعة الى جانب السلطات الكلاسيكية الثلاث ، و وصفها بصاحبة الجلالـة…
كما ان الحديث عن هذا الامر سواء بالخارج او بالمغرب ..هو ليس بالأمر الجديد لكنه بالتأكيد هو أمر صحي ، و أن التفكير في تطويره و تطويعه لخدمة أجندة وطنية خالصــة.. هو مشروع استراتيجي وطني ليرتفع الى مصاف المشاريع الوطنية الكبرى المهمة…لأن الراي العام أصبح صناعة ، و لأن تكوين المخيال العام و طرح سلة أفكار امام المجتمع هو صناعة ، و لأن حماية الراي العالم من الاختراقات الخارجية و تجنب إغراقه بالأخبار الزائفة ( الفايك نيوز ) هو أيضا صناعة…
ولا غرابة اذن، باستحضارنا لكتابات الفيلسوف الأمريكي “نعوم تشومشكي” حول الاعلام والسياسة وتداعيات حالات التواطؤ أو التوافق بين السياسة والاعلام و عواقب ذلك على الاقتصاد والتفكير الجماعي وصناعة الخرائط الحزبية والسياسية.. كما انه من الضروري ونحن نتتبع خطوات هذا التطور والدور الرهيب الذي اصبح يحتله الاعلام بكل أجناسه في صناعة الرأي العام أو الجمهور و الاستقرار السياسي و السلم المجتمعي…فلابد من الإشارة الى الأمريكي و النمساوي الأصل “ادوارد بيرنيز” وهو أحد أبــرز عمالقة صناع الراي العام والبروبغاندا والمصنف ضمن المئة 100 شخصية الأكثر تأثيرا في القرن 20…إذ ساهم من خلال “لجنة كرييل” الامريكية في صناعة أفكار جعلت الراي العام الأمريكي يقبل دخول أمريكا للحرب العالمية الأولى ثم الثانية كما ساهم في تصدير أفكار أمريكية الى باقي العالم من خلال الاعلام و الأفلام و الاشهار..
اليــــوم، نقف عند حاجة المغرب الى تطوير أدائه بخصوص الترافع الإعلامي و الرقمي بخصوص القضايا الوطنية وفي مقدمتها الصحراء المغربية و صورة المغرب بالخارج.. أمام كم هائل من الوحل الإعلامي و الاخبار الزائفة..
بـــداية، لا يسعفنا الوقت للتضمر أو البكاء على الحصيلة الحالية من قلة البرامج او عدم انتشارها الواسع سواء بالداخل او بالخارج… أو احتلال شبكات وقنوات الاعلام البديل و التواصل الاجتماعي من طرف عاطلين و “تجار الأدسنس” عبر بثهم لبرامج تافهة علامتها عي القفز على حائط الاخلاق باسم حرية التعبير وكسر “الطابوهات” وهو ما يرفع من عدد المشاهدات و من العائد المادي، لكن الملاحظ هو انتشار نفس نموذج التفاهة و انحطاط القيم لدى مجتمعات أخرى بافريقيا و آسيــا…
وهو ما يعني ان مجموعات “تجار الأدسنس” في كل تلك المجتمعات تشتغل وفق معايير تحددها سلفا الجهة التي تؤدي الأجور أو “الأدسنس” و هي ليس جهة سرية أو مجهولة، فالجميع يعرف ان منصة اليويتوب و انستغرام و غيرها تدفع أموالا بالعملة الصعبة لكل تجار الادسنس حسب عدد المشاهدات ، وهو ما يعني انه كلما قفز ” تجار الادسنس ” أعلــى فوق حائط الاخلاق و القيم الإنسانية.. زاد عدد المشاهدات و أوراق العملة الصعبة..
في نفس الوقت فقد حدت تلك المنصات الاجتماعية من حرية المدونين و تجار الادسنس بعدم الخوض في مواضيع معينة…و خلقوا بذلك “طابوهات ” جديدة مكان القديمة…وهو ما جعل من صلاحية المدونين و المؤثرين و تجار الادسنس..هي صلاحية محدودة إذ سرعان ما تخونهم الأضواء و تقل المشاهدات و معها العملة الصعبة.. ومن خلال عمليات التتبع فان العديد من المؤثرين و المدونين لم نعد نسمع عنهم و اصبحوا من الماضي…
وهي مناسبة لنعيد التذكير بمضمون سجال الاعلام الامريكي و الاختلاف حول بث او عدم بث برامج تجعل من حزن الناس و آلآمهم مادة إعلامية او ما يعرف ب ” تلفزيون الواقع ” و الذي تعرض لهجوم عنيف و وصفوا كمن يدوس على جثث الموتى و بمصاصي الدماء.. كانت النتيجة هي ابتعاد الكثير من المستشهرين و المنتجين عن دعم برامج ” تلفزيون الواقع “.
وهو ما ترك المجال مفتوحا امام شبكات التواصل الاجتماعي أو الاعلام البديل.. و الذي اصبح منصة جديدة لمواضيع ” تلفزيون الواقع ” و هكذا اصبح الحديث عن جرائم الاغتصاب و زنى المحارم و القتل و الاحتقان و معاناة دور العجزة و عرض برامج ذات ايحاءات جنسية و غيرها هي ” الخبز اليومي ” لرواد شبكات التواصل الاجتماعي…و ترفع عدد المشاهدات الى المليونية وترفع أصحابها الى مشاهير و مؤثرين.. لكنهم محكومين بقانون نهاية الصلاحية…
فحالة تصدر جحافل من الجهلة او العاطلين.. في مقدمة صناع الراي العام و استغلالهم لفضاءات التواصل الاجتماعي اثارت حفيظة الروائي و الفيلسوف الاييطالي ” امبيرتو إيكو ” بقوله سمة 2015 ” مواقع التواصل الاجتماعي منحت حق التعبير لجحافل من الاغبياء، ما كانوا يتحدثون سابقا الا في الحانات بعد احتساء الكحول من دون الحاق أي ضرر بالمجتمع و كان يتم اسكاتهم فورا ، اما الآن فان لهم الحق بالكلام مثلهم مثل من يحمل جائزة نوبل ، انه غزو البلهاء…”
لذلك، فإن ما تعيشه فضاءات الشبكات الاجتماعية من هجوم عنيف و اختراق للأخلاق و القيم الإنسانية، و من إغـراق مقصود للعقل الباطن بصور البؤس والخوف.. وأخبار زائفة حول صورة المغرب بالخارج و الصحراء المغربية و مؤسسات سيادية و أمنية.. هو فعلا حربا للبروبغاندا التي لا تعرف الهدنة و ان مواجهتا بمحتويات وطنية و أخلاقية هو انتصار للأخلاق الكونية و للمقدسات الوطنية و يرتفع الى مرتبة الدفاع عن الوطن…
يقول المفكر و الروائي الأمريكي “جورج أورويل” صاحب رواية 1984 ، في هذا الصدد “… و حتى عندما تنتهي الحروب بطريقة صريحة.. توجد بعض المعارك التي لا تعرف الهدنة ليلا و نهارا ، أي حرب البروبغاندا..بالنسبة لمحور الحلفاء فالبروبغاندا هي سلاح…و تعلم مواجهتا هو مهم بنفس درجة الاختباء من هجوم جوي..”
إننا في المغرب، نواجه ماكينة إعلامية قذرة تعمل بشكل مكشوف و بدون ادنى احترام لمبادئ أخلاقية او سلوكيات إعلامية.. إذ تحاول حقن المخيال الجماعي بصور قبيحة عن المغرب و ان يكون المغرب مرادفا للشرور و الكراهية و الرفض…لذلك فهي تعمل جاهدة على بث صور عن الخوف…نعم الخوف إذ أن الترويج للخوف هو أحد أهــم عناصر صناعة الراي العام و اقوى أسلحة حروب البروبغاندا..
فالخوف من الموت و الخوف من المستقبل و الخوف من الوحدة و الخوف من الفقــر و الحاجة…كلها صور خطيرة تؤثر في العقل الباطن و تتحكم في سلوكياته.. لأن الخوف باعتباره حالة نفسية تجعل الفرد غير قادر على المبادرة و غير قادر على التفكير المنطقي السليم و غير قادر على ترتيب أولوياته…بل يجعله واقفا في مكانه و غير مغادر له…و يزداد الامر تعقيدا بالوصول لحالة الخوف الجماعي…لأننا نعتقد ان محاربة الفقر مثلا ، تبدأ أولا بمحاربة الخوف من الفقـــر حتى نحرر العقل من الجمود و نساعده على التفكير المنطقي بحلول الخروج من الفقر…
في حين إن كل مظاهر التطور الإنساني، لم يكن أساسه الخوف، بل ان الإنسانية تطورت بفضل الأفكار الإيجابية و الطموحة و المبادئ الإنسانية المثالية…
لذلك فإننا، نعتقد ان البداية يجب ان تنطلق بالــرد الجميل و القوي على صور الخوف التي تستهدف المغرب و مؤسساته ورموزه… و ذلك من خلال سلة اقتراحات تهدف لإنتاج برامج و محتويات موجهة للإعلام البديل و قنوات التواصل الاجتماعي…