لا للتجاوزات لا للمغالطات لا للابتزازات
ما ظهر من اللاءات في بلاغ الديوان الملكي ثلاثة، وما تضمنه من رسالة بقدر ما هي في غاية الوضوح بقدر ما هي صارمة لتعيد إلى الأذهان بأن هناك خطوطا حمراء في مجالات محفوظة لا يحق لأي كان أن يسمح لنفسه بالتطاول عليها. ولأنها مجالات ذات أبعاد استراتيجية فهي ليست في متناول العبث والعابثين، إنما أصحابها من رجالات الدولة ذوي العيار الثقيل في الحكمة والتبصر والإلمام ببواطن وتفاصيل ما ظهر وما خفي من التقلبات الإقليمية والدولية بكل ما فيها من تداخلات وتعقيدات. أما أن يدلو الصغار بدلوهم في هكذا قضايا عصية عليهم وعلى أفقهم المحدود فقد يصبحون بجهلهم مصدر إزعاج وتشويش. جهل تربى في أحضان فكر متطرف فكر الإخوان المسلمين وفكر القومجيين وكلاهما مني بالفشل. فما الحاجة في استيراد سلعة فاسدة منتهية الصلاحية إلى المغرب والمغاربة.
بلاغ الديوان الملكي لا هو فريد من نوعه ولا هو غير مسبوق بل هو أكبر هذا وذاك إنه بيان رادع وبيان لضبط الساعة على التوقيت المغربي. وقد جاء بعد أن طفح الكيل وبلغ السيل الزبي . المستلبون فكريا وعقائديا سمحوا لأنفسهم بالترويج لادعاءات كاذبة ومغالطات رخيصة تحاول النيل عبثا من الخيارات الاستراتيجية للدولة المغربية، وهي خيارات تتعلق بالتوازنات التي يحرص المغرب في علاقاته مع الخارج على بنائها في ضوء التحولات الإقليمية والدولية من أجل حماية المصالح العليا للبلاد.
حزب العدالة والتنمية في شخص أمينه العام عبدالاله بنكيران يحاول كعادته أن يلعب على الحبال في إطار “سياسة التقية” التي عرف بها عند الرأي العام. فمن جهة يتودد لملك البلاد بالدعوة إلى التماثل والامتثال لكل ما يقرره جلالته ويراه مناسبا، ومن جهة أخرى يهاجم تلك الخيارات بالتصدي إلى وزير الخارجية السيد ناصر بوريطة الذي هو في واقع الأمر يعمل على ترجمة تلك الخيارات على المستويين الإقليمي والدولي. بل أكثر من ذلك، يعمل السيد بنكيران على نشر بعض المغالطات من قبيل أن المغرب بتحالفاته وخاصة مع ما يسميه بالكيان الصهيوني قد يكون ذلك على حساب القضية الفلسطينية. هذا الربط الذي يقوم به السيد بنكيران خطير وفيه نوع من التحامل كما تكذبه ثوابت السياسة الخارجية للمغرب تجاه قضية السلام في المنطقة بما فيها القضية الفلسطينية. فنحن هنا لسنا بصدد عرض تلك المواقف ولا نريد أن نمن على أشقائنا الفلسطينيين بما يقدم لهم المغرب، فيكفي لتكميم أفواه جماعة بنكيران وجماعة القومجيين أن نستحضر شهادات وإفادات القيادة الفلسطينية وزعمائها الروحيين من مسلمين ومسيحيين التي تشيد وتثني على الدعم المغربي للمقدسيين في مختلف المجالات الحيوية. في حين أن الغوغائيين من أبناء جلدتنا لا يبيعون سوى الوهم للفلسطينيين وأن مواقفهم المخزية لا علاقة لها بالدفاع عن القضية، وإنما تستهدف بالأساس ضرب خيارات المغرب وتحويله إلى بلد مهزوز في وجه العواصف المدمرة والتيارات المعادية.
وإذا كان حقا موقف حزب العدالة والتنمية هو الدفاع عن القضية الفلسطينية فلماذا تتلكأ قيادته في التصدي إلى مواقف وقرارات الرئيس رجب الطيب أردوغان زعيم حزب العدالة والتنمية التركي. لقد وافق ذلك الحزب الذي يشكل الكعبة المشرفة لرجال بنكيران على قرار الرئيس التركي برفع العلاقات الإسرائيلية التركية إلى مستوى السفراء إبان اشتداد التوتر بين الإسرائيليين والفلسطينيين. ما هذا الكيل بالمكيالين أيها الرجل المسلم المنافح كي لا أقول المنافق. هل تعلم أن تركيا قامت بتجديد سجاد المسجد الأقصى عن طريق شركة تركية بتسهيلات من إسرائيل. وعلى العكس من ذلك كان جلالة الملك محمد السادس في أول سنة من تربعه على العرش قد قرر أن يجدد السجاد الذي فرشه جده الملك محمد الخامس عام 1959 وأرسله إلى مطار غزة لتأمينه إلى المسجد الأقصى رافضا أن يسلم ذلك إلى السلطات الإسرائيلية وهي رسالة واضحة من جلالته بأن القدس محفوظة ومصونة في ذاكرة الملوك العلويين. لكن يا سيادة الأمين العام ما رفضه المغرب قبلت به تركيا.
دعني مرة أخرى السيد بنكيران أن أقول لك ما تجهله قبل أن تخوض في ما ليس لك علم به. في عام 2001 دعاني المستشار السياسي للرئيس عرفات السيد هاني الحسن إلى مكتبه في مدينة غزة وأبلغني بأمرين لهما دلالات عميقة، أولهما أن القيادة الفلسطينية تأسف كثيرا لإغلاق مكتب الاتصال المغربي في تل أبيب، وأضاف أن الحضور المغربي في إسرائيل مطلوب فلسطينيا قبل أن يكون مطلبا إسرائيليا موضحا أن المغرب بلد شقيق موثوق به وليس له أية مصلحة مباشرة في الصراع العربي الإسرائيلي . ثانيهما، كما أبلغني بذلك السيد هاني الحسن، أن هناك مؤامرة تقودها كل من إيران والجزائر ضد المغرب على مستوى منظمة المؤتمر الإسلامي آنذاك، ترمي إلى إسقاط رئاسة لجنة القدس من المغرب. وأضاف أن القيادة الفلسطينية ترفض هذا التوجه وتصر على أن تبقى الرئاسة للمملكة المغربية. أقول قولي هذا لكي تتعظ وتتوقف عن تسويق صورة سيئة عن بلدك كما يروج لها النظام الجزائري. فاعلم أن تصريحاتك غير المتزنة تتخذها دولة الثكنات مادة إعلامية في حملتها المسعورة ضد المغرب تحت طائلة شهد شاهد من أهلها.
ثم هذا الحنين الذي يشدك إلى القضية الفلسطينية لم أجد له أثرا في نفسك حينما تطاول السفير الفلسطيني لدى الجزائر على الوحدة الترابية للمملكة المغربية بعد أن استقبل هذا الشخص وفدا من طلاب جماعة البوليساريو وأخذ معهم صورة تذكارية رافعا “خرقة” قيل إنها علم الجمهورية الوهمية. هذا الاستفزاز لم يحرك فيك ساكنا وكأن القضية ليست قضيتك، فيما فاض غيضك ولم يغمض لك جفن حينما أعلن السيد بوريطة عن تعاون أمني ثلاثي أوروبي مغربي إسرائيلي. فما المانع من هذا التعاون إذا كان يصب في مصلحة البلاد، وكيف يتهيأ لك أن ذلك قد يضر بالقضية الفلسطينية.إسرائيل دولة صديقة ولولا بعض الحسابات لقلت شقيقة. وإسرائيل ليست كما لم تكن عدوة، بل عدو المغرب هو النظام الجزائري وكذلك أولئك الذين يشتغلون على أجندة ذلك النظام.
لقد نبهنا في العديد من المقالات السابقة إلى هذه لتجاوزات والمغالطات والاشتغال على أجندات أخرى إما بالتشهير أو محاكمة من يقف من وراء هذه الخرجات المشينة وغير المسؤولة. ولم نتردد في اتهامهم بالخيانة العظمى. وكان حقا علينا أن ننبه إلى ذلك. اليوم جاء بلاغ الديوان الملكي ليكون عمامة لأحرار هذا الوطن وأوفيائه. فما أحوجنا لهذه العمامة وأن يطالعنا الحجاج بن يوسف برسالة تتجاوز البيجيدي إلى ما أبعد من ذلك من أطراف أخرى مشاغبة. ولربما هناك رؤوس أينعت وقد حان قطافها.