ONCF 970 x 250 VA

دعوة إلى الانفصال ودعوة إلى لم الشمل، أية حماقة؟

0

بقلم : لحسن الجيت

اللعب على طرفي نقيض في الحقلين العربي والإفريقي بدعوة إلى الانفصال ودعوة إلى لم الشمل، أية حماقة؟الدعوة الى الانفصال ودعوة لم الشمل، يعكس مدى  الإفلاس الدبلوماسي الذي فقد فيه النظام الجزائري بوصلته وبات يبحر في عالم المجهول. واتضح بما لا يدع مجالا للشك أن اللعبة القذرة التي يلعبها ذلك النظام ما هي إلا ورقة من أوراق أراد أن ينوب من خلالها على من له الفضل في وجوده ككيان وكنظام. كيان أنشأ في ستينيات القرن الماضي بعد أن تقرر زرعه كخلايا سرطانية في الجسم العربي والجسم الإفريقي حتى ينشغل هاذان العالمان بقضايا هامشية ومفتعلة وفي أجندة فرضها علينا جميعا ذلك المستعمر بعد أن فرخ أنظمة غير ديمقراطية تراهن على الشخص لا على المؤسسات، وذلك لضمان ديمومته واستمرارية مصالحه.

ولنا من الأدلة ما يفيد أن النظام الجزائري ما هو إلا دمية مسخرة من طرف دولة المتروبول منها أن فرنسا حينما قررت كتابة شهادة ميلاد الجزائر قررت أن تجعل منها دولة على حساب دول الجوار مستخدمة المقص الاستعماري شرقا وغربا وجنوبا بقطع أجزاء من تلك الدول لتضمها إلى الكيان الذي أطلقت عليه اسم الجزائر. فانتفخ بطنها وأصبحت كامرأة حامل لا تلد إلااللقطاء، تنفت سمومها التي هي سموم استعمارية في مختلف أرجاء الجوار. والغريب في الأمر أن هذا النظام يقر بهذا الواقع ويتمسك به تحت طائلة عدم المساس بالحدود الموروثة عن المستعمر. من كان يرى في نفسه أنه يحمل مشعل الحرية والانعتاق من الاستعمار والتخلص من الفكر الاستعماري، عليه ألا يتشبث بالفعل الاجرامي الذي ارتكبه المستعمر في حق العديد من الدول التي تمزق نسيجها الاجتماعي والعرقي بين كيانات أرادها الاستعمار أن تكون على ما هي عليه اليوم من تشرذم.  

وفي إطار عملية التمويه والتستر عن تلك اللعبة القذرة مع دولة المتروبول، يحاول النظام الجزائري أن يفتعل أزمات مع فرنسا منها أزمة ما يعرف بالذاكرة ويبني حملته على وهم وعلى نفاق لتغليط الرأي العام الجزائري على أن الصراع مع باريس وكأنه صراع حقيقي من خلال مطالبة فرنسا بالاعتراف بخطاياها وتقديم الاعتذار عن ذلك. والواقع شيء آخر من منطلق أن الحملة المصطنعة أريد لها أن تكون كما هي، بينما باطنها يناقض تماما ظاهرها. فرجال النظام الجزائري كما هو ثابت على درجة كبيرة من الوئام مع فرنساوبعيدين كل البعد على أن يكونوا متموقعين في متاريس قبالة بعضهما. ذلك أنه على عكس ما يتظاهرون به أمام فرنسا من اعتراف واعتذار يروج له في دبلوماسية التسويف، تجد لسان حالهم يسبح بالشكر والامتنان على ما أنعم عليهم الاستعمار بما لم يكن في الحسبان. ونقيم الحجة في ذلك أنه بالرغم من إدلال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون  للجزائر بعد أن قال عنها أنها ليست بأمة ولم يكن لها وجود من قبل، فضل النظام الجزائري أن يطوي هذ الصفحة بسرعة بالرغم من  وقعها المهين والمدوي، ولم يجد بدا من ذلك سوى المهادنة واعتماد سياسة الضعفاء من قبيل “عفا الله عما سلف”، في الوقت الذي نجد فيه هذا النظام يتصلب في مواقفه تجاه المغرب ويقيم الدنيا ولا يقعدها في اتهامات لا وجود لها في الأصل.

فالجزائر إذن حصلت على مكافئة تاريخية من فرنسا تتمثل في وجودها على خارطة جغرافية تعتبر مساحتها الأكبر في القارة الإفريقية وسادس مساحة في العالم، فلا يحق اليوم أن تطالب لا بالاعتراف ولا بالاعتذار والأحق بذلك هو المغرب وبقية الدول الإفريقية بما فيهما تونس وليبيا من خلال رفع دعوى ضد باريس بخصوص الاعتراف بخطاياها في حق هذه الدول وبتصحيح تلك الأخطاء بدلا من التواطؤ على المغرب وغيره والتوقف عن محاولات الابتزاز لبلد أراد أن يكون سيد نفسه، وهو ماض في ذلك. فلا فرنسا ولا غيرها قادرون على لي ذراعه. فهي خيارات استراتيجية ذات بعد وطني وعلى باريس أن تتخلى عن أنماط التفكير التي كانت سائدة في القرن التاسع عشر وفي القرن العشرين.

النظام الجزائري إن كان بالأمس نتاجا لمخطط استعماري فهو اليوم يلعب ذلك الدور الذي أرادوه له كي يجدده بالانتقال من استعمار مباشر إلى استعمار بالنيابة. وفي ذلك يكون هذا النظام مجندا لخدمة أجندات بعض القوى من خارج المنطقة من خلال الوقوف وراء أزمات والعمل على استدامتها. ولو نظرنا إلى خارطة العالم العربي، نجد النظام الجزائري ينسج علاقات مشبوهة إلى حدود التحالف مع بعض القوى الأجنبية والمتواجدة على  أطراف الوطن العربي فيما يشبه نزاعات إقليمية يقف فيها النظام الجزائري مناصرا  لتلك القوى غير العربية.  في شرق هذا الوطن الفسيح يوجد المارد الفارسي الذي يتحالف معه جنرالات الجزائر على حساب أمن واستقرار منطقة الخليج . وفي الشمال الغربي لهذا الوطن هناك قوى أوروبية لا يتردد فيها النظام الجزائري عن التحالف معها على حساب أمن واستقرار دول المغرب الكبير. وفي جنوبه الشرقي يسعى هذا النظام أن يتحالف مع إثيوبيا نكاية في الدور الريادي لجمهورية مصر العربية. وهو الدور الذي يريد النظام الجزائري أن يسطو عليه وينتزعه من مصر في ما يتصل بمصالحة الفصائل الفلسطينية التي ألفناها على أرض الكنانة.

وعلى غرار الانقسام الذي تعمل الجزائر على استفحاله داخل الاتحاد الإفريقي، نلاحظ اليوم ونحن على أبواب القمة العربية يخطط ذلك النظام أيضا أن ينقل ذلك المشهد الدرامي إلى المحفل العربي بكل تناقضاته وسلبياته التي كان له فيها ضلع بفعل سياسته المعادية تجاه بعض الدول العربية إما بالتدخل في شؤونها الداخلية أو بالتهديد لأمنها واستقرارها في حال عدم الانصياع إلى خياراتها في المنطقة. فيما يعتبر المغرب بالنسبة لهذا النظام بندا ثابتا ودائما في أجندتها الدبلوماسية المعادية.

وقد كان الرئيس المصري السيد عبدالفتاح السيسي خير من قرأ  هذا الواقع وخير من كان على بينة من تلك المؤامرات التي تحاك ضد هذا الوطن . ولذلك كان سيادته حريصا على توجيه رسائل من الدوحة إلى من يهمهم الأمر لينبههم من مغبة أخذ القمة العربية إلى مربع آخر يتعارض مع ما أعلن عنه من لم الشمل العربي. ولذلك شدد الرئيس المصري بقوة على “حتمية استعادة عدد من المبادئ والمفاهيم كالتمسك بمفهوم الدولة الوطنية والحفاظ على سيادة ووحدة أراضي الدول وعدم التعامل تحت أي شكل من الاشكال مع التنظيمات الإرهابية والميليشيات المسلحة. كما دعا الى “غلق الباب امام أي تدخلات خارجية” . وانتهى إلى القول “أن هذا هو الإطار الذي نتطلع الى التعاون من خلاله في القمةالعربية المقبلة”.

لقد حدد الرجل إطارا للقمة وبات واضحا أن الجميع مدعو إلى تحمل مسؤولياته تجاه الوضع العربي الذي لم يعد يحتمل مزيدا من الاحتقان والتشرذم . والعالم العربي اليوم أمام محك حقيقي، فهي لحظة الفرز للوقوف على النوايا الحقيقية وما بين المعلن وما بين المدبر قد تسقط الأقنعة. وغدا لناظره قريب.

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.