أهمية المناصفة في ترسيخ الديمقراطية
بعد بروز الدور الاقتصادي والإنتاجي للنساء في مختلف المجالات خلال الحرب العالمية الثانية وما تلا ذلك من تطورات، توسعت معركة الدفاع عن المرأة لأجل تحقيق المساواة ونبذ كل أشكال التمييز المادي والمعنوي، المسلطعليها بشكل عام، وهو ما فتح المجال لتطور الحقوق الإنسانية للمرأة.
إن روح الدفاع عن حقوق النساء تأسست على أساس إشاعة احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية في المجتمعات كما هو متعارف عليها عند الجميع، بلا تمييز بسبب الجنس أو اللون أو العرق أو اللغة أو الدين، فكان الشعار الأساسي “ألا تفريق بين الرجال والنساء” ومن خلاله الحرص على التنزيل الفعلي للقوانين التي تحمي وتضمن الحقوق والحريات وعلى رأسها الحقوق السياسية.
إن قطار الديمقراطية لا يمكن أن يسير في السكة الصحيحة، وقافلة التنمية لا يمكن أن تسلك الطريق الصحيح دون ضمان الحقوق الأساسية للنساء، ودون الاشراك الفعلي لهن في كل المجالات الحياتية الاقتصادية منها والسياسية والاجتماعية والثقافية، بل إن التقدم الحاصل في بلادنا لم يكن ليتحقق دون نساء فاعلات، ولم يكن للعملية الديمقراطية نفسها أن تستقيم بمعزل عن المشاركة الفعلية للنساء بالرغم من كل العراقيل المادية والمعنوية التي تعترض طريقهن.
توجيه ملكي وتأطير دستوري وانخراط اتحادي
لقد جاء الخطاب الملكي بمناسبة عيد العرش لسنة 2022، ليؤكد مرة أخرى، على ضرورة الإشراك الفعلي للنساء، حيث قال جلالته “إن بناء مغرب التقدم والكرامة الذي نريده، لن يتم إلا بمشاركة جميع المغاربة رجالا ونساء في عملية التنمية. لذا، نشدد مرة أخرى على ضرورة المشاركة الكاملة للمرأة المغربية في كل المجالات”،حيث إن الأمر لم يعد يحتاج أن نقف في كل مرة للتعريف بحقوق المرأة بل من الواجب اليوم التوجه نحو التنزيل والتحقيق الفعلي لمبدأي المساواة والمناصفة التي نص عليها الدستور المغربي في الفصل 19 منه. وهو الفصل الذي وضع المرأة في نفس مرتبة الرجل من حيث التمتع بالحقوق والحريات المدنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، وعلى قدم المساواة، بل أن الفصل وضع السعي إلى تحقيق المناصفة على عاتق الدولة.
إن المجهودات التي بذلت من طرف الحركات النسائية الوطنية والأطياف اليسارية التي يعتبر حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية على رأسها، لعبت دورا مهما في تحصين المكتسبات التي يتم الحصول عليها، والتي كانت في فترة ما مجرد أحلام وآمال. لقد كانت النساء في صلب المعركة والصراع بين القوى التقدمية الحداثية والمد الرجعي النكوصي الذي يعتبر المرأةَ قاصرة، وأن دائرة حقوقها وحرياتها بيد الرجل، وليست حقوقا كونية تتساوى فيها مع الرجل وفق شمولية الحقوق والحريات الكونية الإنسانية، وحققت مكتسبات كانت من نتائجها كل المكتسبات اللاحقة.
إن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، قد جعل من قضية النساء قضية جوهرية، فانخرطت كل قطاعاته النسائية والشبيبية في هذا الورش الذي يجعل من قضية المرأة أولوية مجتمعية لا يمكن غض الطرف عنها،أو تجاوزها أو إهمالها. ولذلك فإن الفضل الكبير في كل ما تحقق اليوم في جانب الحقوق والحريات يعود لنضالات الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، باعتباره المحور الرئيسي للحركات اليسارية، وهي النضالات التي لم تكن ذات توجه عام، ولكن كانت تُلامس الإشكالات الحقيقية في القضية النسائية، وتطرحها للنقاش بالجرأة المطلوبة.
شبيبة اتحادية حداثية تؤمن بالمناصفة
إن حزب الاتحاد الاشتراكي، ومن خلاله الشبيبة الاتحادية والقطاع النسائي، يعتبر أن الديمقراطية لا يُمكن أن تحقق دون الترسيخ الفعلي للحقوق والحرياتبصفة امة، والحقوق النسائية بصفة خاصة. ويتعلق الأمر بتصور منبثق من صلب المبادئ الأساسية للحزب، التي تتوجه منظمة الشبيبة الاتحادية إلى تفعيلها. لقد تمت المصادقة بالإجماع في كل مراحل التحضير للمؤتمر الوطني التاسع، والذي سينعقد بمدينة بوزنيقة أيام 27، 28، و29 شتنبر 2022 تحث شعار ” كرامة.. حرية..مساواة..”، على مبدأ المناصفة الكاملة في أجهزتها الوطنية، حيث تمت معالجة موضوع المناصفة بكل جرأة ومسؤولية، لأن الوقت قد حان لتفعيلها وجعلها مبدأ أساسيا في كل المؤسسات، سواء مؤسسات الدولة أو المؤسسات الحزبية أو النقابية أو المدنية، أو المؤسسات المنتخبة انطلاقا من الجماعة إلى غاية البرلمان والحكومة.
إننا اليوم، كشبيبة اتحادية، نعتبر أن المغرب قد تأخر في ورش تطبيق المناصفة نظرا لتعاقب حكومات محافظة ثم حكومة هجينة، وما الحكومة التي تقود البلاد اليوم إلا دليل قاطع على التيه الأيديولوجي الذي يسود الخط السياسي لهذه الحكومة، التي لا هوية لها، كما أننا نرى أنه قد حان الوقت لتفعيل مبدأ المناصفة وردم الهوة بين مسألة النص القانوني وإشكالية التطبيق، فلا يمكن لعاقل أن ينكر أن هذه الأدوار يجب أن يقوم بها الفاعل السياسي وأن يدفع في اتجاه تنزيلها في هياكله التنظيمية بشكل يجعل مختلف مؤسسات الدولة مجبرة على الانخراط المسؤول في هذا النهج.
في الدور المركزي للأحزاب السياسية والإعلام
إن المسؤولية الرئيسية في دعم المرأة، في المؤسسات المنتَخَبة، وطنيا، جهويا ومحليا، وفي توسيع تواجدها في مواقع القرار، سواء السياسي أو الإداري أو غيره، ملقاة على عاتق الأحزاب السياسية. وهو الأمر المطروح بكل وضوح في الفصل السابع من الدستور، الذي ينص على أنه “تعمل الأحزاب السياسية على تأطير المواطنات والمواطنين وتكوينهم السياسي، وتعزيز انخراطهم في الحياة السياسية، وفي تدبير الشأن العام”. فالحزب السياسي هو المدخل الرئيسي للنهوض بقضايا المرأة وبتطوير تمثيليتها في مواقع القرار، وذلك من خلال دمقرطة أجهزته وترشيحاته، قصد تسريع تفعيل النص القانوني، وتحويله من فكرة إلى حالة واقعية.
وبالإضافة إلى دور الفاعل السياسي في تعبيد طريق المناصفة ودمقرطة الفعل السياسي، لا يُمكن أن نغفل دور الاعلام، حيث يجب اعتماد سياسة إعلامية قوية ومؤثرة، تُغَير الصورة النمطية للمجتمع عن المرأة، وتدعم نضالات الحركة التقدمية الحداثية من خلال نشر وتعميق الوعي بحقوق النساء، وبإدماج مقاربة النوع الاجتماعي فيها، واستغلال وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي لفتح النقاش حول الحريات والحداثة والديمقراطية والمساواة. إن دور الفاعل الإعلامي لا يقل أهمية عن الفاعل السياسي والجمعوي في الدفاع عن حقوق النساء والحرص على تنزيلها رغم الرفض الذي تفرضه العقلية السائدة والموروث السوسيوثقافي.
فبالرغم من تقدم الترسانة القانونية، التي تتمثل في مدونة الأسرة والوثيقة الدستورية، تظل وضعية المرأة المغربية في تذبذب يميل إلى التراجع أكثر منه إلى التقدم على مستوى الحقوق والحريات. وما يزال تفعيل القوانين ضعيفا لا يمنح لها مساحة كافية للقيام بأدوارها المتعلقة بالمشاركة في بناء التنمية والديمقراطية المنشودة، والمفارقة أن المرأة المغربية اليوم توسعت مكانتها في سوق الشغل وفي الإنتاج بشكل متقدم.
خلاصة
إن طريق النضال من أجل إحقاق المناصفة الكاملة والمساواة الفعلية شاق وطويل، ويتطلب من كل القوى التقدمية الحية، أن تلتف حول القضية وأن تخرج من وضعية التقوقع في الذات الفردية إلى النضال الجماعي، باعتبار أن المناصفة مدخل أساسي للمجتمع الحداثي المتضامن، والذي ينعم كل أفراده، رجالا ونساءً، بالحرية والكرامة والمساواة والعدالة الاجتماعية.