تونس الأبية رماها قيس في أحضان من يدفع أكثر
وابورقيبتاه، صرخة نوجهها لشرفاء تونس الأبية، كما هي صرخة نستحضر فيها شهامة الأب المؤسس للدولة التونسية الحديثة الزعيم حبيب بورقيبة. ونخاطب اليوم روحه الزكية وأرواح الذي ناضلوا من أجل تونس كي تكون مستقلة رجال من طينة فرحات حشاد والطاهر الحداد وأبو القاسم الشابي ومجمود المسعدي والقائمة تطول إلى أن تصل إلى منصف المرزوقي، ولنقول لهم ولجميع الأشقاء التونسيينوللتاريخ أن قيس جعل من بلدكم بلدا مع من يدفع أكثر، وقد عرضها على المزاد العلني وقبض الثمن عنها بمبلغ قدره 300 مليون دولار. هذا الرجل انتهك سيادة تونس بعهر غير مسبوق في السياسة.
المبادئ التي ناضلتم واستشهد آباؤكم وأجدادكم من أجلها في الحقبة الاستعمارية كما استشهد من أجلها البوعزيزي مع انطلاق ثورة الياسمين التي كنتم فيها القدوة للعالم العربي، كل تلك المبادئ التي أردتم من خلالها الحفاظ على كرامتكم وعزتكم وشموخكم أراد قيس أن يكنسها في لحظة بعنجهية وغطرسة واستبداد لم تعرف تونس مثيلا لها في تاريخ حياتها السياسية.
ما كان يصبو إليه الشعب التونسي الشقيق من فضاء ينعم فيه بالحرية والديمقراطية اصطدم بنزوات ونرجسية رجل همه معاكسة إرادة الشعب التونسي ليحقق ذاته غصبا على الجميع. وقد أظهرت الانتخابات والاستفتاء على الدستور نسبة متدنية للمشاركة الشعبية تؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن هذا الرجل معزول تماما عن التونسيين. ومن سوء الطالع أم من سخرية القدر أن تسجل بالتزامن نفس النسب المتدنية كذلك في الجزائر ليتحد نظام قيس ونظام الجزائر على تدبير المكائد أولا في مواجهة شعوبهم وثانيا في مواجهة دولة اسمها المغرب.
ومقابل الثمن الذي قبضه قيس من النظام الجزائري في إطار ما عرف بصفقة شراء الذمم، أملى نظام الثكنات العسكرية إرادته على من يقال عنه بالرئيس التونسي ليستقبل زعيم الانفصاليين المدعو محمد بن بطوش في مراسيم بروتوكولية لا تليق إلا برؤساء الدول. وقد فاتهالسيد قيس أن يعطي أوامره للفرقة الموسيقية بأن تعزف النشيد الوطني لهذا الكيان الوهمي، إن كان له نشيد.
هذه الخطوة كما دعي إليها قيس كانت مهينةللأشقاء التونسيين وضربة موجعة لمواقف قياداتهم الحكيمة التي كانت تنأى بنفسها التموقع في معسكر ضدا في الآخر. تونس ألأبية كما عهدناها في عهد التونسيين الأحرار لم تكن ترضى بالمساومة والابتزاز ولا بالإغراءات مهما كان حجمها. وقد شهد عن ذلك أحد الأبناء البررة ورجالاتها الأحرار السيد أحمد ونيس وزير الخارجية الأسبق الذي رفض بكل إيباء وشموخ أن يبيع تونس ويقايض في كرامتها ورفض أن يقبض الثمن من النظامين الليبي والجزائري وفي فترة كانت فيها تونس مستهدفة. لكن مبادئ الوطنية ومبادئ المدرسة البورقيبية جعلت هذا الرجل الشهم أن يأبى بنفسه كي لا يلطخ كرامة تونس من أجل حفنة من المال عرضت عليه في الكواليس لكي يصوت لصالح المشروع الليبي الذي هو مناوئ للمغرب. واليوم أين هو قيس من هذه المبادئ ومن المواقف التاريخية التي ذكرنا بها السيد ونيس.
ولمن أراد أن يجعل من تونس الولاية 59 للجزائر، نذكره بالنشيد الوطني الذي كتبه أبو القاسم الشابي وحفظه كل المغاربيين عن ظهر قلب وليس التونسيين وحدهم. ونسائله هل بسياسته هذه سيعيش الشعب التونسي حياته على حد قول شاعرنا وهل سيكسر القيود كما ورد في لقصيدة العصماء. أسئلة نطرحها على قيس الذي سمح لنفسه على أن يقفز على الثوابت و أن يكبل الإرادة الصلبة للتونسيين بأغلال وصاية النظام الجزائري. توجه من العار أن يتخذ وهو باطل مصداقا لقوله تعالى “ّ وكذلك يضرب الله الحق بالباطل فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكت في الأرض”. وليعلم قيس أن خرجته في صنف الزبد.
كما نؤكد له أن تهوره وعمله الشنيع المفضوح لن يرضى عنه الأشقاء في تونس كما هم في الأصل غير راضين عن وجوده في السلطة لأنه جيء به ليلتف على أهداف ثورة الياسمين بالتضييق على الحريات بنهج مدبر لسلسلة الاعتقالات في صفوف ناشطي جميع التيارات الحداثية والإسلامية والنقابية على حد سواء، وكذلك فعل من خلال الاتقلاب على الديمقراطية في مؤسساتها التمثيلية والحكومية والقضائية.فالكل في نظر الحاكم الجديد على خطإ إلا قيس الذي يرى في نفسه أنه منزه عن العبث. أما المغرب فلن ينال منه قيس ولا غيره، فهو في مأمن ومصون برجاله مهما تكالب عليه المنكالبون في العهود الغابرة كما في العهد الحالي. ولذلك نحيل قيس على إعادة قراءة التاريخ فسوف يجد فيه ما يفقع العيون. ومن لا يجيد قراءة التاريخ لا يمكن له أن يفهم الحاضر ولا أن يبني المستقبل. ومن لا خير في أهله لا يرجى منه خير لجيرانه.