الاستثمار الرياضي والتنمية المستدامة إشكالية الجدوى الاقتصادية والاجتماعية لتنظيم كأس أمم إفريقيا 2025 بالمغرب
بقلم محمد الغياط
مقدمة عامة :
أصبحت التظاهرات الرياضية الكبرى، منذ نهاية القرن العشرين، أحد الأدوات المركزية في السياسات العمومية للدول، لما تحمله من أبعاد اقتصادية، اجتماعية، رمزية، ودبلوماسية. ولم تعد الرياضة تُختزل في بعدها الترفيهي أو التنافسي، بل تحولت إلى قطاع استثماري استراتيجي تسعى الدول من خلاله إلى تحقيق التنمية، تحسين صورتها الخارجية، وجذب الاستثمارات والسياحة.
في هذا الإطار، يندرج تنظيم كأس أمم إفريقيا 2025 بالمغرب ضمن رؤية وطنية تروم توظيف الرياضة كرافعة للتنمية، خاصة في ظل ربط هذا الحدث القاري باستعدادات المملكة لاحتضان كأس العالم 2030. وقد رافق هذا التوجه تعبئة مالية ولوجستيكية مهمة شملت البنيات التحتية الرياضية، النقل، الأمن، والسياحة.

غير أن هذا الخيار الاستراتيجي أثار نقاشًا أكاديميًا ومجتمعيًا واسعًا حول جدوى الاستثمار في التظاهرات الرياضية الكبرى في الدول النامية، ومدى قدرتها على إحداث تنمية مستدامة، مقابل كلفتها المالية المرتفعة وتنافسها مع حاجيات اجتماعية أساسية.
إشكالية البحث
إلى أي حد يمكن اعتبار تنظيم كأس أمم إفريقيا 2025 بالمغرب استثمارًا تنمويًا مستدامًا، وما حدود مردوديته الاقتصادية والاجتماعية؟
مقدمة عامة
يساهم الاستثمار الرياضي في تحسين البنية التحتية وتحريك الاقتصاد.
الأثر التنموي يظل رهينًا بالتخطيط والحكامة والاستغلال البَعدي.
غياب التقييم البَعدي والشفافية يحدّ من الأثر الاجتماعي للاستثمار.
المبحث الأول: مفهوم الاستثمار الرياضي
يُقصد بالاستثمار الرياضي مجموع النفقات العمومية والخاصة الموجهة إلى تطوير البنية التحتية الرياضية وتنظيم التظاهرات الكبرى، بهدف تحقيق عوائد اقتصادية مباشرة وغير مباشرة، إضافة إلى مكاسب رمزية ودبلوماسية¹.
ويتميز هذا النوع من الاستثمار بخصوصيات أهمها:
ارتفاع حجم الكلفة المالية
تعدد الفاعلين (الدولة، الجماعات، القطاع الخاص)
صعوبة قياس العائد الحقيقي على المدى القصير

المبحث الثاني: التنمية المستدامة والرياضة
وفق تعريف الأمم المتحدة، تقوم التنمية المستدامة على تلبية حاجيات الحاضر دون المساس بحقوق الأجيال القادمة². وفي هذا السياق، تُعد الرياضة أداة:
للإدماج الاجتماعي
لخلق فرص الشغل
لتحفيز التنمية المحلية
غير أن تحقيق هذه الأهداف يظل مشروطًا بربط الاستثمار الرياضي بسياسات عمومية شاملة، وليس بمنطق الحدث الظرفي.
المبحث الثالث: المقاربات النقدية
تشير الأدبيات النقدية إلى أن التظاهرات الرياضية الكبرى غالبًا ما تشهد:
تضخيمًا في تقدير العائد الاقتصادي
ضعفًا في احتساب الكلفة الاجتماعية
تحول بعض المنشآت إلى عبء مالي بعد انتهاء الحدث³
الفصل الثاني: تنظيم كأس أمم إفريقيا 2025 بالمغرب – السياق وحجم الاستثمارات
المبحث الأول: السياق العام للتنظيم
حصل المغرب على شرف تنظيم كأس أمم إفريقيا 2025 بعد سحب التنظيم من غينيا، مستفيدًا من جاهزيته البنيوية وخبرته التنظيمية. وتُعد هذه الاستضافة الثانية في تاريخ المغرب بعد نسخة 1988، لكنها تأتي في سياق مختلف يتسم بعولمة الرياضة وتزايد رهاناتها الاقتصادية.
المبحث الثاني: حجم الاستثمارات ومجالاتها
وفق معطيات رسمية وتصريحات حكومية:
تم تخصيص 9 ملاعب كبرى موزعة على 6 مدن
الطاقة الاستيعابية الإجمالية تفوق 450 ألف متفرج
بلغت كلفة تأهيل وبناء الملاعب ما بين 12 و15 مليار درهم
تجاوزت الاستثمارات الإجمالية المرتبطة بالبنية التحتية (نقل، طرق، مطارات، فنادق) 20 إلى 30 مليار درهم
كما تم:
توسيع شبكة القطار فائق السرعة
تأهيل مطارات المدن المستضيفة
رفع الطاقة الإيوائية الفندقية بنسبة تُقدَّر بـ 25% في بعض المدن السياحية

المبحث الثالث: الفاعلون في الاستثمار
شارك في هذا الورش:
الدولة (الميزانية العامة)
الجماعات الترابية
الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم
القطاع الخاص عبر الشراكات
مؤسسات دولية رياضية
الفصل الثالث: الأثر الاقتصادي والاجتماعي المتوقع
المبحث الأول: الأثر الاقتصادي
تشير التقديرات إلى:
خلق ما بين 50 ألف و70 ألف فرصة شغل مباشرة وغير مباشرة
استقبال أزيد من 500 ألف زائر أجنبي
مداخيل سياحية تُقدَّر بـ 700 مليون إلى مليار دولار
ارتفاع استهلاك الخدمات (نقل، مطاعم، إعلام)
المبحث الثاني: الأثر الاجتماعي والمجالي
ساهمت الاستثمارات في:
تحسين الخدمات الحضرية
تقليص الفوارق المجالية
إدماج مدن متوسطة في الدورة الاقتصادية الوطنية
تعزيز الشعور بالانتماء والفخر الوطني
المبحث الثالث: الأثر الرمزي والدبلوماسي
يمثل تنظيم الكان:
تعزيزًا لصورة المغرب كقوة تنظيمية إفريقية
دعمًا للدبلوماسية الرياضية
تمهيدًا لاستضافة كأس العالم 2030
الفصل الرابع: الإشكالات والتحديات
المبحث الأول: سؤال الأولويات الاجتماعية
أثارت كلفة التنظيم نقاشًا حول:
مدى توافقها مع حاجيات الصحة والتعليم
العدالة الاجتماعية في توزيع الاستثمار
المبحث الثاني: إشكالية الاستدامة
يبقى التساؤل مطروحًا حول:
استغلال الملاعب بعد البطولة
كلفة الصيانة
ضعف الإقبال في بعض المدن
المبحث الثالث: الحكامة والشفافية
لوحظ:
غياب تقارير مالية مفصلة
ضعف مؤشرات التقييم البَعدي
محدودية التواصل المؤسساتي
الفصل الخامس: آفاق وتوصيات
ربط الملاعب بالاقتصاد المحلي
اعتماد تقارير تقييم بعدية
إشراك المجتمع المدني
تعزيز الشفافية المالية
إدماج الاستثمار الرياضي ضمن نموذج تنموي شامل
خاتمة عامة
خلص البحث إلى أن تنظيم كأس أمم إفريقيا 2025 بالمغرب يمثل فرصة تنموية مشروطة، حيث لا يتحقق الأثر الإيجابي تلقائيًا، بل يتطلب رؤية استراتيجية، حكامة رشيدة، واستغلالًا مستدامًا للبنيات المنجزة. ويظل نجاح التجربة رهينًا بقدرة الدولة على تحويل الحدث الرياضي من لحظة احتفالية عابرة إلى مسار تنموي دائم.
الرباط 25\12\2025
☆بقلم محمد الغياط باحث في مهن الاعلام والصناعة الثقافية كلية العلوم الانسانية والاجتماعية جامعة بن طفيل القنيطرة .المغرب

