منذ صافرة الانطلاق، فرضت كأس أمم إفريقيا 2025 بالمغرب نفسها كحدث قاري استثنائي، ليس فقط على مستوى التنظيم، بل أيضًا من حيث الزخم الجماهيري الذي رافق المباريات الأولى، في نسخة بدأت ترسم ملامح دورة قد تُصنف ضمن الأفضل في تاريخ المسابقة.
الحضور الرسمي الوازن في مباراة الافتتاح كان مؤشرًا مبكرًا على ثقل هذه النسخة، حيث احتضن المركب الرياضي الأمير مولاي عبد الله، ولي العهد الأمير مولاي الحسن، إلى جانب رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم جياني إنفانتينو ورئيس الكونفدرالية الإفريقية باتريس موتسيبي، خلال المواجهة التي جمعت المنتخب الوطني بنظيره جزر القمر، في مشهد عكس الرهان القاري والدولي على نجاح البطولة.
وعلى مستوى التنظيم اللوجستي، اعتمد المغرب مقاربة غير مسبوقة قارياً، بتخصيص تسعة ملاعب موزعة على ست مدن، إلى جانب توفير فندق مستقل وملعب تداريب خاص لكل منتخب، مع مراعاة القرب الجغرافي بين الإقامة والتداريب والملاعب، ما سهّل تنقل الوفود وقلّص الإكراهات التنظيمية المصاحبة لمثل هذه التظاهرات.
هذا الاستثمار في البنية التحتية والتجهيزات انعكس بشكل مباشر على المدرجات، إذ تجاوز عدد المناصرين الذين تابعوا السبع مباريات الأولىعتبة 160 ألف متفرج، في رقم مرشح للارتفاع إلى حوالي 220 ألف متفرج مع نهاية مواجهات يوم الأربعاء، وهو ما يوازي لوحده قرابة نصف ما سجلته عدة نسخ سابقة مجتمعة.
وتُظهر الأرقام المسجلة إلى حدود الآن أن معدل الحضور في اللقاء الواحد فاق 23 ألف متفرج، أي ما يعادل نحو 60 في المئة من المقاعد المتاحة للبيع، في انتظار أن ترتفع هذه النسبة تدريجيًا مع دخول البطولة مراحلها الحاسمة، خاصة مباريات خروج المغلوب التي عادة ما تعرف إقبالًا أكبر.
في هذا السياق، يراهن الاتحاد الإفريقي لكرة القدم واللجنة المنظمة على بلوغ رقم قياسي يقارب مليونًا ونصف مليون متفرج طيلة أطوار المنافسة، رغم التحديات المرتبطة بإقامة البطولة خلال فصل الشتاء، وما يفرضه ذلك من قيود زمنية على فئات واسعة من الجماهير، خاصة الطلبة والموظفين.
وبين زخم المدرجات، وثقل الحضور الرسمي، ومستوى التنظيم، تبدو نسخة المغرب من “الكان” مرشحة لترك بصمة خاصة في ذاكرة الكرة الإفريقية، ليس فقط بالأرقام، بل بنموذج تنظيمي قد يصعب تجاوزه في المستقبل القريب.


