لم يترك الانهيار المفجع لعمارتين سكنيتين بمدينة فاس، والذي خلّف عشرات الضحايا بين قتيل وجريح، أثره في المدينة وحدها، بل امتد صداه ليخلق حالة يقظة واسعة داخل جهة الدار البيضاء–سطات، التي تضم أكبر كتلة عمرانية في البلاد وأكثرها هشاشة من حيث المباني القديمة.
وتشير معطيات حصلت عليها مصادر محلية إلى أن مختلف مصالح الولاية دخلت في مرحلة تعبئة استثنائية مباشرة بعد الحادث، في محاولة لتفادي تكرار فاجعة مماثلة داخل العاصمة الاقتصادية، التي تضم بدورها أحياءً قديمة تعاني من اهتراء البنية السكنية وتشعب الإصلاحات العشوائية داخلها.
حراك واسع داخل العمالات والمقاطعات
وبحسب المصادر، فقد وجّه والي الجهة أوامر مستعجلة إلى العمال والمنتخبين ورؤساء المصالح، تدعو إلى التحرك الفوري وعقد لقاءات متتالية مخصصة حصريًا لملف البنايات المتقادمة، مع إلزام كل عامل بإعداد تصور دقيق حول النقاط التي تشكّل خطورة محتملة داخل مجاله الترابي.
وفور هذه التعليمات، شرعت العمالات والمقاطعات ذات النسيج العمراني القديم—خصوصًا الأحياء المكتظة بالمباني الهشة—في تنظيم اجتماعات متلاحقة شارك فيها مسؤولو الجماعات والقياد والباشوات، إلى جانب فرق تقنية من الوكالة الوطنية للتجديد الحضري ومكاتب الدراسات.
مراجعة خرائط المباني الهشة ومعايير تقييم جديدة
وتقول المصادر إن النقطة الأساسية التي تُبنى عليها هذه التحركات تتمثل في وضع لائحة مُحدّثة للمباني المهددة بالسقوط، اعتمادًا على مقاربة تقنية جديدة أكثر تشددًا مما كان معمولًا به في السابق. وتشمل هذه المقاربة تقييم الحالة الهيكلية للبناء، وأثر التغيرات الحضرية المحيطة به، وحجم الضغط الذي تتعرض له البنية التحتية.
تشديد المراقبة على الإصلاحات العشوائية
وفي جانب آخر لا يقل أهمية، أفادت المصادر بأن المصالح الولائية أشارت بوضوح إلى ضرورة كبح ظاهرة “الإصلاحات غير القانونية”، التي يقوم بها بعض الملاك داخل مبانٍ قديمة دون الرجوع إلى مكاتب متخصصة أو الحصول على تراخيص، وهو ما يفاقم هشاشة بنايات تعيش أصلًا على وقع التآكل الزمني.
كما شددت التوجيهات على مراجعة إجراءات تسليم “شواهد المطابقة”، والتأكد من خضوع أي مبنى جديد أو قديم لجميع الضوابط القانونية قبل الترخيص له، بهدف تقليص هامش التجاوزات التي تفتح الباب أمام كوارث عمرانية تهدد سلامة الساكنة.
هدف واحد: تجنّب تكرار سيناريو فاس
ورغم اختلاف طبيعة الأحياء بين فاس والدار البيضاء، فإن الفاجعة الأخيرة دفعت السلطات الجهوية إلى التعامل بجدية أكبر مع ملف شائك ظل يُنظر إليه لسنوات بوصفه أزمة مؤجلة.
وتؤكد المعطيات أن المرحلة المقبلة ستشهد إعادة هيكلة شاملة لطرق التقييم والمراقبة والتتبع، تفاديًا لأي انهيارات قد تُسجل ضمن “البنايات الآيلة للسقوط” داخل أكبر جهة حضرية بالمغرب.

