حين يفضح حدث قاري هشاشة رؤية إعلامية وطنية.. كان 2025 دليلا
الكارح أبو سالم
القناة الرياضية تُستبعد… والسبب الحقيقي أكبر من ‘قلة الموارد’!؟
قبل أن نصل إلى الجدل الدائر اليوم حول قرار إسناد تغطية كأس إفريقيا 2025 للقناة “الأولى” بدل “الرياضية”، كانت البوادر واضحة منذ شهور، بل منذ اللحظة التي افتُتح فيها ملعب مولاي عبد الله بحلّته العالمية.
يومها، ظهر أن القطار الإعلامي لا يسير بالسرعة نفسها التي تسير بها أوراش المغرب. فبينما كان الملعب يُبهر العالم بجماليته ورُقيّ تجهيزاته، جاءت التغطية التلفزية باهتة، مهزوزة، ومهينة أحياناً. الصور لم تكن في مستوى الحدث ولا في مستوى الملاعب التي تحدّت بها المملكة كبريات الدول.
ثم جاءت “الكارثة” الثانية:
الباطو التحليلي الذي قدمته الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة بمناسبة افتتاح المركب.
طاولة من مقصف، كرسيان، تجهيزات عشوائية، وإخراج يبدو كما لو أنه صُوّر على عجل في قاعة انتظار… تلك اللحظة تحوّلت إلى وسمة عار في الذاكرة البصرية للمغاربة، وإلى دليل دامغ على أن المؤسسة لم تكن تملك رؤية، ولا عُدّة، ولا حتى حسّاً رمزياً بحجم اللحظة.
ومَن تابع تلك “الزلة” كان يعلم أن ما نعيشه اليوم تحصيل حاصل.
فالارتباك الذي يَظهر اليوم في ملف التغطية القارية لم يولد فجأة، بل هو نتيجة طبيعية لمسار طويل من التردد، التأجيل، غياب الجاهزية، وغياب التخطيط الاستباقي داخل الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة.
اليوم تُعلن المؤسسة أن القناة الرياضية لا تتوفر على الموارد البشرية الكافية لتغطية “الكان” ، لكن الحقيقة التي يجب قولها بصراحة هي: من المسؤول عن إعداد هذه الموارد وتكوينها وتعزيزها إن لم تكن المؤسسة نفسها؟ من الذي ترك القناة في وضعيتها المتقلبة؟
من الذي لم يبنِ نواة تحريرية وتقنية قادرة على حمل حدث بهذا الحجم؟ من الذي سمح بانكماش أطقم القناة بدل توسيعها؟
ثم من الذي صمت حتى اللحظة الأخيرة، وكأن الزمن متوقف، ثم قرر أن “ينقل” المهمة إلى قناة عامة لإنقاذ ماء الوجه؟
حتى مدير القناة الرياضية، الذي اختار أن يغيب بشواهد طبية متلاحقة وهو في قلب العاصفة، ترك وراءه علامات استفهام كبيرة:
هل كان يتهرّب من مسؤولية يعرف أنها ستنفجر؟ أم أنه ببساطة وجد نفسه أمام واقع لم تُمنح له الأدوات الكافية لمواجهته؟
وفي مقابل هذا المشهد المرتبك، تقف الجامعة الملكية لكرة القدم كمرآة معاكسة تماماً.
فوزي لقجع وفريقه عملوا بمنهجية صارمة، خطط قصيرة ومتوسطة وطويلة المدى، إنجاز سريع، ورؤية واضحة، والملاعب أُنجزت في وقت قياسي وبمعايير عالمية، ونجحت الجامعة في ما عجزت عنه مؤسسات أكبر وأكثر تمويلاً، هذا ليس امتثالاً للحظ، بل لثقافة عمل.
ولأن الخلل صار فادحاً، اضطرت الجامعة للتدخل في ملف البث وإنقاذ الموقف بإعادة تنظيم خطة النقل.
دخول الجامعة على خط الإعلام العمومي ليس شرفاً للمؤسسة الإعلامية، بل مؤشر فاضح على عجز بنيوي لم يعد ممكناً إخفاؤه.
أما القناة الأولى — رغم احترامنا لها — فهي قناة عامة، مهما رفعت من زمن الرياضة فيها، لن تتحول بين ليلة وضحاها إلى قناة متخصصة قادرة على إنتاج ، بورتريهات، متابعات يومية، قصص إنسانية، روبورتاجات ميدانية، وبرامج تحليلية من الطراز الرفيع.
والمشاهد المغربي يعرف ذلك جيداً.
لذلك يهرب منذ سنوات إلى قنوات أجنبية تشبع نهمه الرياضي، والدليل أمامنا اليوم: البطولة العربية في قطر يتابعها بشغف، ولم يسأل حتى:
“أين قنواتي الوطنية؟”
هذا الواقع يجعل السؤال أكثر إلحاحاً:
لماذا يترسخ البلوكاج داخل إعلامنا العمومي؟ ومن المستفيد من إبقاء القطار في المحطة رغم جاهزية السكة؟
لقد ظنّ كثيرون أن إطلاق الهولدينغ السمعي البصري سيبعث حياة جديدة في المشهد. لكن يبدو أن بين ثنايا القرار من لا يريد للتحول أن يحدث، من يُربك كل محاولة للتقدم، من يتقن فن “الانتظار”، ويخشى كل خطوة قد تغيّر المسار.
واليوم، ومع اقتراب المغرب من احتضان أهم بطولة قارية في تاريخه، يظهر الإعلام العمومي في وضع لا يليق ببلد حقق قفزات هائلة في البنية التحتية، وفي التنظيم، وفي القابلية العالمية للاستضافة.
إنها ليست أزمة موارد بشرية، ولا أزمة كاميرات، ولا أزمة كفاءات…
إنها أزمة رؤية، وأزمة جرأة، وأزمة إدارة قبل كل شيء.
ولعل أول خطوة نحو الحل هي الاعتراف: أن ما نراه اليوم لم يولد اليوم…
بل بدأ يوم وُضعت طاولة المقصف وكرسيان في “الباطو التحليلي”.
ومنذ ذلك اليوم، كان واضحاً أن “كان 2025” لن يكون سوى المرآة التي تعكس الحقيقة كاملة
