في قرار حاسم يعكس قوة الرقابة الدستورية بالمغرب، وجهت المحكمة الدستورية صفعة قوية لوزارة العدل، برئاسة عبد اللطيف وهبي، بعد أن قررت إسقاط مقتضيات هامة في مشروع قانون المسطرة المدنية رقم 23.02.
جاء هذا القرار بعدما تبين للمحكمة أن هذه المواد تخالف بشكل صريح مقتضيات الدستور، خاصة في ما يتعلق بضمانات المحاكمة العادلة واستقلالية السلطة القضائية.
القرار، الذي صدر في 4 غشت 2025 تحت رقم 255/25، جاء بناء على إحالة من رئيس مجلس النواب، حسب ما ينص عليه الفصل 132 من الدستور، مما فتح المجال أمام نقاش دستوري موسع حول مسار الإصلاحات التشريعية التي تقودها الحكومة.
المحكمة لم تكتفِ بالإشارة إلى المخالفات الشكلية في المواد التي تم إلغاؤها، بل سلطت الضوء على جوانب تعتبرها تهدد الحقوق والحريات الأساسية، وتقوض مبدأ فصل السلطات، وهو مبدأ يضمنه الدستور المغربي لعام 2011.
من بين المواد التي تم إسقاطها، كانت المادة 17 التي تمنح النيابة العامة صلاحية الطعن في المقررات القضائية دون ضوابط واضحة، وهو ما اعتبرته المحكمة مساسًا بالأمن القضائي واستقرار الأحكام.
كما تم إلغاء المادة 84 التي كانت تسمح بالتسليم القضائي بناء على الظن أو التصريح، وهو ما يخالف مبدأ الشرعية ويستدعي وجود أدلة واضحة.
ألغت المحكمة أيضًا المادتين 408 و410، اللتين كانتا تمنحان وزير العدل سلطات كبيرة تؤثر في سير عمل القضاء، وهو ما يُعد خرقًا لمبدأ استقلالية القضاء، أما المادة 90 التي تتعلق بعقد الجلسات عن بُعد، فقد تم إلغاءها لعدم توفيرها الضمانات الكافية لحقوق الدفاع، مما يهدد حق المحاكمة العادلة.
من جهة أخرى، تم إسقاط المادتين 624 و628 اللتين تمنحان وزارة العدل سلطات كبيرة في تسيير النظام المعلوماتي القضائي، وهو ما يُعد انتهاكًا للحدود الفاصلة بين اختصاصات السلطة التنفيذية والسلطة القضائية.
أوضحت المحكمة في قرارها أنه يجب تعديل أو حذف جميع المواد التي لا تتماشى مع الدستور قبل المضي قدمًا في اعتماد مشروع القانون. وقد أكدت المحكمة أنها لم تنظر في المواد التي لم تثر ملاحظات دستورية بشأنها، واعتبرت أن هذه المسائل خارج نطاق رقابتها في هذا القرار.
قرار المحكمة يعد سابقة مهمة في تاريخ الرقابة الدستورية بالمغرب، ويؤكد مرة أخرى دور المحكمة في ضمان احترام المبادئ الدستورية، خاصة فيما يتعلق باستقلالية القضاء وفصل السلطات.
لكن هذا الحكم لا يعني نهاية مسار مشروع قانون المسطرة المدنية، بل يفرض على الحكومة، ممثلة في وزارة العدل، إعادة صياغة المواد التي تم إسقاطها بحيث تتماشى مع مبادئ الدستور.
ومن المنتظر أن يعاد المشروع إلى المؤسسة التشريعية لاستئناف مسطرة المصادقة بعد التعديلات، قبل أن يتم نشره في الجريدة الرسمية.
هذا التأخير في نشر القانون يعني أن دخوله حيز التنفيذ سيظل معلقًا حتى إتمام الإجراءات الدستورية والتشريعية اللازمة، وهو ما يعكس أهمية التزام الحكومة والمؤسسات بالقوانين والدستور لتعزيز ثقة المواطنين في النظام القضائي والمؤسسات العامة.

