في تحول لافت للرأي العام داخل المغرب، أظهر استطلاع جديد أن المواطنين باتوا يربطون مفهوم الديمقراطية ليس فقط بحرية الانتخابات، بل بما تحققه فعليًا من كرامة وعدالة اجتماعية واقتصادية.
هذا التوجه، الذي رصده “الباروميتر العربي”، عكس قفزة كبيرة في دعم المغاربة للنظام الديمقراطي، وجعل المملكة تتصدر دول المنطقة في هذا التوجه.
البيانات المستخلصة من أكثر من 15 ألف مقابلة مباشرة في ثماني دول عربية ما بين 2023 و2024، كشفت أن المغرب شهد أقوى تصاعد في التأييد للديمقراطية كنظام مثالي للحكم، بزيادة قدرها 19 نقطة مئوية مقارنة باستطلاع عام 2021، لتبلغ النسبة الإجمالية 73%.
لكن ما يثير الانتباه هو أن هذا التأييد لم يعد مرتبطًا فقط بالإجراءات الشكلية كالاقتراع، بل باتت غالبية المغاربة تعتبر الديمقراطية أداة لتحقيق الكرامة الفردية وتلبية الحاجات الأساسية، حيث ارتفعت نسبة من يرونها النظام الوحيد الصالح للحكم بـ16 نقطة.
هذا التصور الجديد يبرز تعمق الوعي الشعبي بأبعاد الديمقراطية العملية، بما في ذلك مساواة المواطنين أمام القانون، وضمان الحقوق والحريات، وتوفير الأمن الاقتصادي، وكلها مطالب أصبحت تشكل حجر الزاوية في تقييم المغاربة لأداء أنظمتهم السياسية.
في هذا السياق، أقر نحو نصف المشاركين في الاستطلاع بأن مستوى الديمقراطية في البلاد تحسن مقارنة بما كان عليه قبل سنة 2011، وهو ما يعكس مؤشرات إيجابية رغم التحديات التي ما تزال قائمة. كما لوحظ انخفاض في نسبة الذين يربطون الديمقراطية بتردي الأوضاع الاقتصادية، ما يدل على تراجع المخاوف التقليدية من “ثمن الحرية”.
مع ذلك، ما يزال 41% من المغاربة يرون أن النظم غير الديمقراطية قد تكون أنسب في بعض الظروف، وهو ما يشير إلى وجود فئة من المجتمع تُقيِّم جدوى النظام بناءً على فعاليته ونجاعته أكثر من طبيعة بنيته السياسية.
ولدى تقييمهم للديمقراطيات العالمية، أبدى المغاربة نظرة إيجابية لبلدان كالولايات المتحدة وألمانيا، فيما منح البعض تقييمًا جيدًا للصين، رغم غياب نموذج الانتخابات فيها، ما يكشف عن اهتمام متزايد بالأداء التنموي أكثر من الآليات الديمقراطية الكلاسيكية.
هذا التغيير في المزاج العام لم يكن حكرًا على المغرب، بل شمل دولًا أخرى كالكويت والأردن وتونس، وإن بدرجات متفاوتة، لكن الرسالة المشتركة التي أطلقها الرأي العام في المنطقة واضحة أنه لا ديمقراطية بلا كرامة، ولا شرعية لأنظمة الحكم دون عدالة اجتماعية ومساواة حقيقية ونتائج ملموسة تُشعر المواطن بقيمته.
الاستنتاج الأهم أن الشعوب، والمغاربة في مقدمتهم، لم تعد تقبل بـ”ديكور ديمقراطي” فارغ من المحتوى، بل تطالب بنموذج سياسي يرتكز على الإنجاز لا الخطابة، وعلى تحقيق الكرامة لا فقط تنظيم الانتخابات.

