بقلم: جمال السباعي
في خضم تصاعد المواجهة بين إيران وإسرائيل، تبرز تساؤلات حيوية حول موقف دول المنطقة، لا سيما تلك التي تنتمي إلى الفضاء الإسلامي وتحمل خصوصية جيوسياسية حساسة مثل المغرب. فبين الانتماء الإسلامي، والالتزامات الإقليمية، ومصالح السيادة الوطنية، يجد المغرب نفسه أمام اختبار دقيق يفرض تعاملاً استثنائيًا ومتزنًا.
لا جدال في أن المغرب جزء لا يتجزأ من الأمة الإسلامية، وقيادته الدينية – المتمثلة في أمير المؤمنين – تضعه في موقع معنوي يجعله مدافعًا عن قضايا الأمة، وعلى رأسها القضية الفلسطينية. غير أن الحديث عن انتماء مشترك مع إيران إسلاميا لا يعني تجاوز العداء العملي الذي تُكنّه طهران لوحدة المغرب الترابية.
لقد أكدت تقارير رسمية مغربية ودولية تورط إيران، عبر ذراعها “حزب الله”، في تسليح وتدريب عناصر من جبهة البوليساريو، وهو ما دفع الرباط إلى قطع العلاقات الدبلوماسية مع طهران سنة 2018. ويُعد هذا التدخل المباشر في قضية حساسة مثل الصحراء المغربية تهديدًا صريحًا لسيادة البلاد ووحدتها، ويجعل من طهران طرفًا غير محايد وعدائيًا في حسابات الدولة المغربية.
رغم استئناف العلاقات مع إسرائيل ضمن “اتفاقات أبراهام”، يحرص المغرب على التأكيد أن هذا التقارب لا يعني التخلي عن دعم الشعب الفلسطيني وحقه في إقامة دولته المستقلة. بل إن المملكة تنطلق من مبدأ سيادي يعتبر أن بناء علاقات متنوعة يخدم قضاياها الوطنية، وفي مقدمتها الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء، وهو مكسب دبلوماسي كبير لم يكن ليتحقق لولا مقاربة المغرب الواقعية والمستقلة.
أمام هذه المعطيات، فإن المغرب الرسمي مطالب باتخاذ موقف متوازن وواقعي، يعبّر عن حرصه على استقرار المنطقة، ورفضه للتصعيد بين إيران وإسرائيل لما يحمله من تداعيات كارثية على الكثير من الأصعدة، دون أن يتجاهل في الآن نفسه الأذى المباشر الذي تلحقه طهران بالمصالح الحيوية للمغرب، خاصة عبر دعم المشروع الانفصالي. فالموقف الأنسب يتمثل في حياد سيادي نشط، يرفض الحرب والعدوان، ويدعو إلى تغليب الحلول السياسية والحوار، وتأكيد ثابت بأن العلاقات الدولية للمملكة، بما فيها علاقتها مع إسرائيل وإيران، تخضع أولًا وأخيرًا لمعيار واحد: الدفاع عن وحدة المغرب الترابية وسيادته الكاملة.
ورغم أن الموقف الرسمي للمغرب يجب أن يُبنى على حسابات السيادة والمصلحة الوطنية المتوازنة، فإن هذا لا ينفي حق المواطن المغربي، سواء كأفراد أو من خلال تجمعات مدنية وسياسية، في التعبير عن تعاطفه أو دعمه لأي طرف يراه مناصرًا للقضية الفلسطينية، بما في ذلك إيران. فذلك الدعم غالبًا ما تحكمه مشاعر دينية وانتماء وجداني للقضية المركزية في الوعي الجمعي للأمة، وهي قضية فلسطين. لكن هذا البعد العاطفي لا يمكن أن يُملي على الدولة مواقفها الرسمية، التي ينبغي أن تبقى حرة من الإملاءات الخارجية والانفعالات الظرفية، وتنطلق من ثوابت المغرب الكبرى: وحدة ترابه، استقلال قراره، وحكمة دبلوماسيته.
المغرب ليس دولة تابعة للمحاور، بل هو دولة ذات تاريخ ومؤسسات، تعرف من تصادق ومن تعادي وفق مبدأ واحد: مصلحة الوطن أولاً، ضمن ثوابت الأمة الإسلامية. وبناءً على ذلك، فإن الحرب بين إيران وإسرائيل يجب أن تُقابل من طرف المغرب بالحكمة، والحياد، والرفض لأي عدوان، ولكن أيضًا بالحزم ضد كل من يمس وحدته الترابية، حتى لو كان يحمل نفس راية الدين

