في ظل التحديات المتنامية التي تواجهها إدارات السجون بإفريقيا، يبرز المغرب كنموذج رائد في تبني التكنولوجيا والرقمنة لتعزيز نجاعة تدبير مؤسساته السجنية وتحديث خدماتها، فخلال مؤتمر إفريقي احتضنته مدينة تامسنا، أكد محمد صالح التامك، المندوب العام لإدارة السجون وإعادة الإدماج، أن التحديث الرقمي لم يعد خيارًا، بل ضرورة حتمية لمواكبة التحولات الأمنية والإدارية التي يشهدها العالم.
التحول الرقمي، بحسب التامك، يمثل ركيزة أساسية في المخطط الاستراتيجي للمندوبية العامة، ويهدف إلى ترسيخ مبادئ الشفافية والحكامة الجيدة، من خلال استعمال أدوات إلكترونية متقدمة لتدبير مجموعة من الجوانب الحساسة كتنفيذ العقوبات، إدارة الموارد البشرية، وتتبع الملفات الصحية والمالية للمعتقلين.
ومن أبرز المجهودات التي أُطلقت حديثًا، تعميم التعليم عن بُعد داخل السجون المغربية، عبر إحداث استوديوهات تعليمية متخصصة بشراكة مع جامعات وطنية، إلى جانب المشروع الواعد للمدرسة الرقمية الموجهة للنزلاء، في تعاون مع وزارة التربية الوطنية.
هذا التوجه ينسجم مع رؤية تأهيلية تهدف إلى إعادة إدماج السجناء وتأهيلهم لسوق الشغل ما بعد الإفراج.
في سياق متصل، اعتبر التامك أن المحكمة الرقمية – التي تعتمد على التقنيات الحديثة لعقد جلسات المحاكمة عن بُعد – شكلت نقلة نوعية في مسار العدالة المغربية، حيث ساهمت في تسريع البت في القضايا وتقليص المخاطر اللوجيستية المرتبطة بنقل المعتقلين، ما يعكس تكاملًا واضحًا بين مختلف القطاعات الحكومية في تحقيق العدالة الناجعة.
وعلى الصعيد الإفريقي، شدد التامك على ضرورة تعزيز التعاون بين إدارات السجون في القارة، مشيرًا إلى أهمية إحداث لجان عمل قارية دائمة تُعنى بتبادل التجارب، خاصة في مجالات الذكاء الاصطناعي، التأهيل، والاستعلام السجني، مع التركيز على الجانب البيئي كمكون أساسي في تحديث البنية التحتية للمؤسسات العقابية.
وبينما تتجه العديد من الدول الإفريقية نحو تطوير أنظمتها السجنية، يبقى المغرب في طليعة هذا المسار بفضل التزامه الواضح بإدماج التكنولوجيات الحديثة في المنظومة العقابية، ما يؤهله ليكون مرجعًا إقليميًا في هذا المجال الحيوي.