ONCF 970 x 250 VA

السعودية ومقالب نظام بشار الأسد

0

نعاين في هذه الأوقات المريبة تحركا دبلوماسيا للمملكة العربية السعودية، كقطب من أقطاب هذه الأمة الذي يحمل على عاتقه كما كان دائما هموم هذا الوطن العربي. والعنوان البارز لهذا التحرك الدبلوماسي هو تهييء الأرضية لضمان عودة سوريا إلى حضن الجامعة العربية وتمكينها من شغل مقعدها بعد أن تم طردها لما يزيد عن عقد من الزمن.
السعودية وهي تأخذ على عاتقها هذه المسؤولية في أفق ما تحضر له من احتضان قمة عربية مرتقبة خلال الشهر المقبل، يبدو أنها ، أي الرياض، تقوم بذلك بنوايا حسنة ولأهداف نبيلة وأولها لم الشمل العربي. لكنه ليست كل الأطراف على ذات الإيقاع وتتقاسم نفس الرؤى وعلى رأسها النظام السوري الذي أخلف عدة مواعيد ونقض العهود والالتزامات مع الرياض التي كانت غير ما مرة بجانبه. فهل غاب كل ذلك عن القيادة السعودية أم أن الظرفية الإقليمية والدولية لها حساباتها ومنطقها لتسمح بغض الطرف مرة أخرى عن خطايا النظام السوري الذي لا يؤتمن جانبه. ولذلك من واجب المملكة العربية السعودية وهي تقود هذا التحرك الدبلوماسي ألا تستبعد كذلك الاحتمالات التي قد ينقلب فيها هذا النظام بعد الإحساس أنه خرج من العزلة. ونكاد أن نجزم أنها ليست المرة الأولى كما لن تكون الأخيرة.
القول بذلك، لا يعني وجود تحامل على هذا النظام أو ذاك. وإنما شخصية النظام السوري هي شخصية غامضة على درجة واحدة من غموض العقيدة التي يتبناها وهي “النصيرية”. هذه العقيدة تعتبر واحدة من تفرعات المذهب الشيعي. وهي عقيدة تتبنى بالأساس الانطواء والباطنية كأسلوب وكنهج، وإظهار عكس ما يضمره أتباع هذه العقيدة. كما أنهم يحيطون عقيدتهم بالسرية حتى للمقربين منهم إلا عند بلوغهم سن الرشد والتمييز، وهم الفئة الحاكمة التي تسوس سوريا. من عهد الرئيس حافظ الأسد إلى عهد ابنه بشار نلاحظ ترجمة حقيقية لهذه العقيدة في السياسة سواء على المستوى الداخلي أو على مستوى العلاقات الخارجية التي هي شديدة التقلبات والمقالب وبالخصوص مع المملكة العربية السعودية. ومن واجبنا وتقديرنا للمملكة العربية السعودية أن نعرض لبعض المحطات التي كان فيها النظام السوري مخادعا لا صادقا مع المملكة. فذكر لعل الذكرى تنفع المومنين.
1 ـ بعد وفاة الرئيس حافظ الأسد واغتيال ابنه الأكبر باسل قيل أنها في حادثة سير, آل الحكم في آخر المطاف إلى ابنه الأصغر بشار الأسد. في هذه الفترة الانتقالية والتي كانت عصية على الحاكم الجديد في سوريا، تحركت المملكة العربية السعودية لتيسير هذه المرحلة على الرئيس بشار وليكون انتقال السلطة في سوريا انتقالا سلسا. وبالفعل جاء الملك عبدالله بن عبدالعزيز لتقديم العزاء وتقديم المساعدة للرئيس بشار الأسد سواء على المستوى الداخلي بدعوة قادة الجيش السوري وأكبر القيادات السياسية إلى الالتفاف حول رئيسهم الجديد وتحدث إليهم الملك بلغة صارمة ” لا أريد أحدا منكم أن يلعب بذيله”، وكذلك على المستوى الخارجي حيث بادر العاهل السعودي بإجراء الاتصالات مع الرئيس الفرنسي آنذاك جاك شيراك ومع رئيس الوزراء البريطاني طوني بلير. وبالفعل استجاب هؤلاء القادة للوساطة السعودية، واستقبل الرئيس بشار الأسد استقبالا يليق بمقام رؤساء الدول رغم حداثة سنه وحداثة عهده بالسلطة.
لكن فيما بعد تنكر بشار الأسد لكل الدعم الذي قدمته له السعودية إلى درجة وصف فيها الملك عبدالله ذلك التنكر ب”لعب الأولاد”. هذا السلوك ليس غريبا على النظام السوري ويتهيأ لك أنه يخفض جناح الذل من الرحمة، لكن سرعان ما ينقلب بعد خروجه من الورطة. بعد استقباله في باريس ولندن، بدأ الرئيس بشار الأسد يتغير “وبدأ يتسلل البرود إليه وفي تعامله مع السعودية” على حد تعبير الأمير بندر بن سلطان. ومرد ذلك التغيير هو دخول إيران على الخط والدخول معها في تحالف استراتيجي يرجح كفة طهران على الرياض في لعبة قذرة بين السنة والشيعة على أرض لبنان، وكذلك لتصفية حسابات شخصية قديمة بين بشار الأسد ورفيق الحريري الذي كان يتجاهل طلبات بشار في عهد والده حافظ الأسد. ومنذ وقت مبكر سيكون ذلك الحقد الدفين بين الرجلين هو المتحكم في مسرح الأحداث في لبنان لاحقا وفي الفواجع التي ألمت بهذا البلد.
2 ـ التعامل السوري مع المملكة العربية السعودية لم يقف عند حدود التنكر لما قدمته وتقدمه الرياض لدمشق بل تجاوز ذلك إلى معاكسة الحضور السعودي في المنطقة وقد بلغ ذلك إلى درجات التصفية الجسدية لزعماء وقياديين تربطهم روابط عميقة مع العائلة المالكة آل سعود.
وكما قال الأمير بندر بن سلطان بالحرف الواحد “يبدو أن تجاهل الحريري لطلبات بشار الأسد واشتراطه وجود موافقة من والده حافظ الأسد حملها بشار في صدره بعد وصوله لسدة الحكم”. وبالفعل كان رفيق الحريري يشتكي دائما للعاهل السعودي وللأمراء من تصرفات بشار التي اتخذت أوجه تتأرجح أحيانا ما بين التدخل المباشر في الحياة السياسية اللبنانية وأحيانا ما بين الوعيد والتهديد لرئيس الوزراء اللبناني. وقد نبه الجانب السعودي الرئيس السوري عدة مرات من مغبة المساس بالسيد رفيق الحريري.
وتسارعت التطورات بشكل ملفت وخطير في لبنان بعد أن قام الرئيس بشار الأسد بتغييرات شملت رجال المخابرات السورية في لبنان نقل على إثرها رئيس المخابرات السورية اللواء غازي كنعان من لبنان وعين وزيرا للداخلية، ونم تعيين رستم غزالي كبديل عنه . هذا الأخير نقل تهديدا مباشرا إلى رفيق الحريري بتصفيته ما لم يمتثل إلى أوامر حاكم دمشق. ودعي الحريري لمقابلة بشار الأسد ومسح به الأرض سبا وشتما بحضور قادة المخابرات والجيش فقط،. فنزف الحريري دما من أنفه من شدة الإهانة.
ورغم تدخل العاهل السعودي شخصيا بتوجيه إنذار لبشار الأسد وتحذيره من مغبة الإساءة لرفيق الحريري إلا أن حاكم دمشق كان له رأي آخر يوم 14 فبراير 2005 بتفحيم جثة رئيس وزراء لبنان وكنا آنذاك أحد شهود عيان على هذه الفاجعة. وأقسم بشار الأسد للعاهل السعودي بأعظم الأيمان أنه لا دخل له في اغتيال رفيق الحريري إلا أنه فيما بعد ولطمس معالم الجريمة قام بشار الأسد بتصفية مقربيه الذي شاركوا من بعيد أو قريب في عملية الاغتيال كي لا يتم التحقيق معهم من قبل اللجنة الأممية التي تشكلت لهذا الغرض. بدءا من وزير الداخلية غازي كنعان الذي قيل أنه انتحر في مكتبه وصولا إلى عماد مغنية قائد الجناح العسكري لحزب الشيطان اللبناني الذي قتل في المربع الأمني للمخابرات السورية وقيل إن إسرائيل هي التي قامت بتصفيته.
نتذكر اليوم هذه الحقائق لنشهد عليها الناس، قبل القيادة السعودية، على أن النظام السوري نظام لا يرحم وقد يلتهم أبنائه إذا دعت الضرورة إلى ذلك. فما نتوخاه اليوم ونحن نستحضر مقالب هذا النظام نوصي الاعتداد بحديث خير الأنام وهو “لا يلدغ المؤمن من جحر واحد مرتين”. ما ينبغي أخذه في الحسبان أن أنظمة من هذا القبيل يجب أخذ الحيطة والحذر منها. فإعادة سوريا إلى حظيرة الجامعة العربية قد لا يختلف بشأنه إثنان، لكن على أي أساس وهل توفرت الشروط المطلوبة لتلك العودة وهل أظهر النظام السوري جاهزية لكي يتصالح مع شعبه حتى نسقط عنه اليوم عقوبة الطرد التي اتخذت في حقه بعد إبادة شعبه. أسئلة في غاية الأهمية والخطورة وما لم تتم الإجابة عنها بكل وضوح وتوثيقها بشكل رسمي في الجامعة العربية فإننا سنجد أنفسنا ونحن نطارد خيط دخان. كثيرة هي التساؤلات على تعقيدات جمة والإجابة عنها ليست بالأمر الهين، لكن المخرج من كل ذلك يكمن في التركيز على إيجاد صيغة لمرحلة انتقالية تتمثل في عودة سوريا بدلا من عودة النظام السوري أو تعليق العضوية إلى أجل مسمى محكوم بسقف زمني أي بعد الامتثال لشروط والتزامات مسبقة ينبغي دعوة سوريا إلى الأخذ بها.
أما فيما يتعلق بالمغرب ما إذا كان مع أو ضد عودة سوريا إلى الجامعة العربية، من حيث المبدأ يبدو أن بلدنا لا يقبل أن يتخندق مع هذا المعسكر أو ذاك فيما يخص العودة من عدمها. فالمغرب في هكذا حالات يسترشد في تعاطيه مع الدول على أساس مواقفها من قضيتنا الوطنية. وبالنسبة للنظام السوري، كما نعرفه، كان مناصرا للانفصاليين. ولأنه حليف لإيران وكذلك لنظام الثكنات في الجزائر فإنه كان يتبنى نفس الطروحات المعادية للوحدة الترابية للمملكة. وفي أواخر تسعينيات القرن الماضي كنا شاهدين كذلك على المكر والخداع السوري الذي ادعى في وقت من الأوقات أن سوريا أغلقت مكتب البوليساريو في دمشق ليتبين لنا أن المسألة لا علاقة لها بالإغلاق وإنما أعدوا للانفصاليين مقرا جديدا لهم في شارع آخر من شوارع دمشق. وتلك هي عادة حليمة فهل لنا ضمانات لكي لا تعود حليمة إلى عادتها القديمة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.