النظام الجزائري ينبطح لفرنسا ويعادي المغرب
تعتبر ظاهرة النظام الجزائري فريدة من نوعها على اعتبار أنها لا تخضع لضوابط التحليل السياسي بالمفهوم العلمي والأكاديمي للوقوف على حقيقة السلوكيات المشينة. كل مراكز البحوث والدراسات الاستراتيجية تستغرب لذلك الصلف الذي تبديه الماكينة الجزائرية في علاقتها مع المغرب. ولا تجد العديد من الأوساط السياسية والدبلوماسية على مختلف توجهاتها ومشاربها أي مبرر مقنع للاستمرار في تعنت غير مفهوم. ما تعلمناه في أبجديات العلاقات الدولية أنه لا توجد مصالح دائمة كما لا يوجد عداء دائم وسرمدي إلا الحالة الجزائرية التي تشد عن هذه القاعدة. فمنذ إنشاء دولة الجزائر عام 1962 ونظامها يعيش على عقدة تلازمه اسمها المغرب.
ولسنا بحاجة إلى وقت طويل نمعن فيه النظر والتريث لكي نقف على حقيقة دبلوماسية المتناقضات التي ينهجها النظام الجزائري. الظاهرة بادية للعيان لا يراعى فيها نفس المبدأ في مجمل السياسة الخارجية الجزائرية بقدر ما هي تقع تحت تأثير مزاجية القائمين عليها الذين تحكمهم حساباتهم الخاصة التي لا تندرج بالضرورة في سياق مؤسساتي يميز الدولة الشرعية عن الدولة المارقة. ولذلك، فإن النظام الجزائري يتعاطى مع الخارج بدبلوماسيات مختلفة عن بعضها منها أولا دبلوماسية التودد والتقرب، ثانيا دبلوماسية العداء الدائم. وسنبين مواقف هذا النظام التي لا تستقر على نهج محدد وتتأرجح ما بين الانبطاح والتعنت بحسب موقع ومكانة الطرف الآخر، وذلك على النحو التالي:
1 ـ في علاقته مع فرنسا وضع النظام الجزائري في شهر دجنبر من عام 2018 سقفا معينا جاء آنذاك على لسان وزير المجاهدين الطيب زيتوني الذي قال بالحرف ” هناك أربعة ملفات أساسية تخص الحقبة الاستعمارية هي الأرشيف وجماجم المقاومين والمفقودين وتعويض ضحايا التجارب النووية“. وقد اشترط هذا الرجل باسم النظام “أن هذه الملفات هي مفتاح العلاقات الطبيعية بين البلدين”.
يبدو أن هذا النظام لا يرفع السقوف إلا في الخطب الرنانة بينما الحصيلة منذ 2018 أخذت منحى معاكسا زاد من بهدلة النظام وتعريته. وطبيعي أن تكون النتيجة على ما هي عليه اليوم من إذلال وليس للنظام سوى مجاراة من لهم الفضل في إنشاء كيانه أي فرنسا التي هي ولية نعمته لا يستطيع أن يخالف لها رأي وليس بمقدوره أن يفعل ذلك مهما كانت الاستفزازات والإهانات وما أكثرها التي يتعرض لها اليوم بشكل ممنهج . عديدة هي المحطات التي تؤكد على هذه التبعية وعلى هذا الإذلال غير المسبوق في العلاقات بين الدول. ونستعرض بعضها على سبيل الحصر.
أ ـ ليس أكثر من أن يهين الرئيس الفرنسي ماكرون بكلام واضح دولة ما كما يفعل مع الجزائر التي قال عنها،حينما استقبل في شهر شتنبر 2021 أحفاد الحركيين، أن الجزائر لم يكن لها وجود لا كدولة ولا كأمة. وعاد الرئيس ماكرون ليؤكد ذلك في حديث له لصحيفة “لوموند” متسائلا باستهزاء “هل كانت هناك أمة جزائرية قبل الاستعمار الفرنسي ؟ ، وأضاف ساخرا “أنا مفتون برؤية قدرة تركيا على جعل الناس ينسبون تماما الدور الذي لعبته في الجزائر والهيمنة التي مارستها”، وذلك في إشارة واضحة للأمبراطورية العثمانية.
وإذا كانت هذه هي الحقيقة التي لا يختلف بشأنها إثنان، لكن متى وكيف يحق لرئيس دولة أن يسمح لنفسه بأن يتطاول على بلد بوقاحة تتنافى مع كل الأعراف الدولية لولا ذلك الوهن الذي بات عليه النظام الجزائري وذاك الإحساس بالدونية يذكرنا بعلاقة السيد بمسوده. وهل هناك أهانة أكبر من هذه حتى يتجاوزعنها هذا النظام ويعيد سفيره إلى باريس بعد لؤي وكأن الإهانة لم تحصل. ولماذا النظام الجزائري لم يبد استماتة وصلابة في الموقف أم أنه غير قادر على أن يرد الصاع بصاعين. بل أكثر من ذلك يحاول هذا النظام افتعال أحداث موازية في التوقيت مع تلك الإهانات بنية الالتفاف عليها والتخفيف من وطأتها لكي لا تشد انتباه الشعب الجزائري.
ب ـ فضيحة الجماجم الجزائرية كشفت هي الأخرى وجها من أوجه الإهانة التي تعرض لها النظام الجزائري من قبل “فرنسا ماكرون“ . النظام الجزائري انطلت عليه اللعبة أو الخديعة بعد أن تسلم تلك الجماجم في حفل مهيب واعتبر أن هذا التسليم قد أعاد الاعتبار للشعب الجزائري من خلال ترجمة فعلية تندرج في سياق ما هو معروف بإحياء الذاكرة التي أقام بها الدنيا ولم يقعدها. لكن هذا المحفل المهيب سرعان ما تحول إلى فضيحة غير مسبوقة بعد أن كشفت صحيفة “نيويورك تايمز” أن تلك الجماجم وعددها أربعة وعشرون منها ثمانية عشرة جمجمة لا تعود إلى رجال المقاومة الجزائرية. وأن ما كان بريد النظام الجزائري أن يفتخر به على أنه إنجاز أراد أن يسوقه في إطار تصحيح الأخطاء التاريخية لفرنسا تجاه الشعب الجزائري، فإذا بالسحر انقلب على الساحر ليجد ذلك النظام نفسه في مأزق لم ينتبه إليه لولا الإعلام الأمريكي الذي كان له الفضل في فضح خيوط اللعبة. وبعد أن انكشفت الحقيقة ما كان بوسع هذا النظام أن يقوم به سوى أن ينحني لتمر العاصفة. وكذلك فعل وكأن الإهانة لم تطل الشعب الجزائري. أين هي العزة بالنفس وأين هو ذلك الكبرياء أو “النيف الجزائري” حسب تعبيرهم والذي يتشدق به النظام صباح مساء في علاقته مع المغرب.
ج ـ ثالثة المآسي التي يكابدها النظام الجزائري بصمت ولا يقوى على فك طلاسمها في علاقته مع فرنسا تتعلق باستضافة واحتضان قيادة حركة تقرير مصير القبايلالمعروفة اختصارا ب “ماك” التي يرأسها الزعيم القبايلي فرحات مهني منذ تأسيسها عام 2001. كما تسمح فرنسا لهذه الحركة، أحب من أحب وكره من كره، بأن تزاول نشاطها بكل حرية بدٍءأ من رفع أعلامها في المظاهرات في عاصمة الأنوار بالقرب من الإليزيه وفي مختلف المدن الفرنسية. كل ذلك يحدث على مسمع ومرأى جنرالات الجزائر وكأن الطير على رأسهم لا أحد يحرك شاكنا.
بل أكثر من ذلك في شهر أبريل من عام 2020 نشرالجيش الفرنسي في موقعه الرسمي خريطتي كل من الجزائر وإقليم القبايل ووضعت على كل خريطة علم كل إقليم. ولعل باريس قد أرادت من خلال ذلك أن توجه رسالة واضحة إلى قادة النظام الجزائري مفادها أنكم أنتم كذلك لستم في مأمن من خطر قد يحدق بالدولة التي أنشأنها لكم. والدليل على صحة هذه الرسالة أنه بموازاة تلك الخريطة نشر على نفس الموقع الرسميخريطة أخرى تبين بالتفصيل تلك الأجزاء التي قطعت من أراضي الجوار بإشارات واضحة مثل أراضي مغربيةأي الصحراء الشرقية وأراضي تونسية وبلاد الطوارق .يبدو أن القيادة الجزائرية بالرغم من هذا الاستفزاز الذي يؤكد على أن الجزائر دولة مجمعة تجميعا وأنها بالفعل صنيعة الاستعمار، بالرغم من كل فإن قاطني قصر المرادية التزموا الصمت أمام سيدهم على عكس ردة فعلهم من تصريح لدبلوماسي مغربي في هذا الشأن أحدث زلزالا في أركان الرئاسة الجزائرية مما يؤكد بالواضح انعدام الثقة في النفس والتوجس من المستقبل.
د ـ آخر الإهانات وليست الأخيرة التي تطارد القيادة الجزائرية من طرف فرنسا حدثت فقط في شهر فبراير المنصرم، ويتعلق الأمر بتهريب المعارضة والناشطة الجزائرية الطبيبة “أميرة بوراوي”. وقد اعترفت الرئاسة الجزائرية بنفسها في بيان لها أن دبلوماسيين وعناصر مخابرات فرنسيين هم الذين قاموا بالإجلاء سرا للمعارضة أميرة بوراوي. هذا الاعتراف يقر بفشل كل المؤسسات الأمنية والعسكرية والمخابراتية التي يتغنى بها النظام الجزائري على أساس أنها قادرة على ضبط كل منافد الحدود فيما يتضح من هذه الواقعة أن المعابر مخترقة وأن الطابور الفرنسي يشتغل على هواه فوق التراب الجزائري وينتهك ما يسمى تجاوزا بسيادة الجزائر .
النظام الجزائري الذي أحرجه هذا الحدث المستفز والمهين أعلن في حينه أن ذلك قد يتسبب في إحداث قطيعة مع فرنسا من دون أن يتجرأ بمطالبة تسليم المعارضة لأنه لا يريد أن يرفع سقفا غير قادر على التمسك به أو تحقيقه. وبالفعل بعد مضي شهر من هذه الواقعة سارع النظام الجزائري إلى إيجاد حل لفرنسا للخروج سويا من هذا المأزق. وفي اتصال هاتفي بادر الرئيس عبدالمجيد تبون إلى الاتصال بالرئيس ماكرون، على عكس ما كان أن ينبغي أن يحدث، وأعطى لنظيره الفرنسي طوق لنجاة بالاعلان على عدم تكرار مثل هذه الأعمال لإنقاذ ماء وجه النظام كي يبني على ذلك ويعيد سفيره إلى باريس.
2 ـ رغم هذه الاهانات الممنهجة والاستفزازات المتكررة التي تسيء للجزائر في واضحة النهار، بالرغم من كل ذلك فإن دولة الثكنات تستكين وتحرك ذنبها ذات اليمين وذات الشمال توددا وفرحا لفرنسا وتدخله أحيانا بين أرجلها خوفا منها. وكل خطوة يتخذها ذلك النظام في لحظة الإهانة إلا وسارع لإعادة النظر فيها مثل إعادة فتح الأجواء في وجه الطائرات العسكرية الفرنسية وإعادة السفير الجزائري غير ما مرة إلى باريس كل ذلك من أجل الحفاظ على هذه العلاقات ولو جارت فرنسا على الجزائر. المهم بالنسبة لهم أن تبقى اجزائر حليفة لفرنسا لكي لا يختل التوازن لصالح المغرب. ولذلك لا يجرأ الرئيس الجزائري أو غيره على أن يعلن يوما ما بأن الأزمة قد بلغت إلى نقطة اللاعودة لاحتوائها مع باريس مثلما تشدق الرئيس عبد المجيد تبون تجاه المغرب في حوار له مع الإعلامية الجزائرية خديجة بن قنة في قناة “الجزيرة”.
ونحن في هذا المقال لا يهمنا أن نقف عند ما يدعيه السيد تبون بخصوص ما آلت إليه العلاقات المتدهورة بين البلدين إلى حدود اللارجعة، فحسن الجوار وسياسة اليد الممدودة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية هي مبادئء لطالما استرشدت بها الدبلوماسية المغربية. وهي تلتزم بها كدولة وكأمة ذات قيم ومبادئ إنسانية وكونية .والتمسك بها هو تعبير عن الكبرياء والشموخ والأنفة، وهي خصال من شيم الكبار . ومن يرفض هذه الدعوات فهو يخشى على نفسه من الانهيار بعد أن تسقط منه ورقة العداء للمغرب التي يتخذ منها عقيدة لاستمرارية وجوده والبحث عن شرعية لم يجدها في صناديق الاقتراع. نسبة مشاركة الشعب الجزائري في الانتخابات بالكاد وصلت إلى 20 بالمائة.
وردا على تصريحات الرئيس تبون نقول لفقوا ما شئتم من اتهامات كاذبة وانسجوا من خيالكم مغالطات وأقفلوا الحدود وأقفلوا الأجواء وسارعوا إلى قطع العلاقات أو الهواء لأسباب وهمية لأننا نعلم علم اليقين أن هذا العداء ما هو إلا عقدة الإحساس بالدونية ستلازمكم دائما وعقيدة تقتاتون منها كنظام يوهم شعبه بأن هناك خطرا من الخارج يهدده بينما الخطر الحقيقي على الشعب الجزائري هو نظامه.
ونقول للشعب الجزائري الشقيق أن الجنرالات الماسكين بزمام السلطة والماسكين بأعناقكم وأرزاقكم هو الخطر الداهم على قوتكم اليومي وعلى تدنيس كرامتكم. أما الجزائر فلن يصلها أي مكروه وأي سوء من المغرب كما جاء على لسنان ملك البلاد. وما يروجه حكامكم من أقاويل في حق المغرب هو من باب التضليل وسيبقى ذلك النظام واقفا ضد فتح الحدود في وجهكم كي لا تقفوا على الحقائق التي تناقض أقوال المتسلطين عليكم.