في غمار الاحتفال بالذكرى العاشرة لتنصيبه على رأس الكنيسة الكاثوليكية، تظل الرحلة الرسولية للبابا فرانسيس في العام 2019 إلى المغرب لحظة أساسية في هذا المسار.
وقال البابا فرانسيس لدى عودته من المملكة بعد زيارة تاريخية ومتعددة الدلالات، تظل موشومة في الذاكرة: “في المغرب جددنا التأكيد على الدور الرئيس للديانات في الدفاع عن الكرامة الإنسانية والنهوض بالسلام والعدالة وحماية الإبداع”.
وكتب موقع Vatican News الإعلامي أن “خدمة الأمل كانت شعار هذه الرحلة التي قادت البابا فرانسيس، يومي 30 و31 مارس 2019، للقاء الإخوة والأخوات المسلمين، بدعوة من صاحب الجلالة الملك محمد السادس”، مستعيدا أهم محطات العشر سنوات من السيرة البابوية لخورخي ماريو بيرغوليو، الذي انتخب لهذه المهمة الروحية في 13 مارس 2013.
وقال البابا: “خدمة الأمل تعني بناء الجسور بين الحضارات”، معربا عن “سعادته لتمكنه من فعل ذلك مع جلالة الملك أمير المؤمنين، الذي أشاد بصداقته وقربه”. رمزيا، أثار اللقاء بين السلطتين الدينيتين الساميتين إعجابا من كل الأنحاء.
ولطالما كرس ملوك الدولة العلوية، عبر التاريخ، نهجا دينيا يفضي إلى التعايش السلمي بين المسلمين والمسيحيين واليهود، في احترام تام للقيم الإنسانية الكونية. واعتبر العديد من الخبراء زيارة البابا فرانسيس للمملكة، ملتقى الحضارات، بمثابة اعتراف بالنموذج المغربي للإسلام المعتدل الذي يدعو إلى التعايش مع الاحترام الكامل للقيم الإنسانية الكونية.
لم يكن اختيار المغرب لزيارة رسمية من قبل البابا فرانسيس مصادفة بالتأكيد، بل جاء كدليل على خصوصية أرض التعايش هذه، التي ترتقي اليوم كرائد إقليمي من حيث التسامح واحترام التنوع. لم يعد هناك حاجة لإثبات تعددية هوية وثقافة المملكة.
وقال وزير التعاون الدولي الإيطالي الأسبق وأحد مؤسسي جمعية سانت إيجيديو، لوكالة المغرب العربي للأنباء “يلعب المغرب دورا قياديا في تعزيز قيم الوسطية والتسامح في منطقة البحر الأبيض المتوسط، التي تواجه العديد من التهديدات”، مسلطا الضوء على مبادرات مؤسسة إمارة المؤمنين التي تحرص على الترويج لإسلام سمح ومنفتح. ونوه بجهود المملكة، تحت القيادة المستنيرة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس الذي لا يكل عن الدعوة إلى السلام.
وقد تجسدت حمولة اللقاء بين جلالة الملك والبابا فرانسيس، بشكل خاص، من خلال التوقيع على نداء القدس. واستحضر الموقع الخاص بالكرسي الرسولي هذا النداء “حتى تبقى المدينة المقدسة تراثا للإنسانية ومكانا للقاء السلمي، لاسيما بالنسبة لمؤمني الديانات التوحيدية الثلاث”.
وتكتسي الرسالة قوة رمزية وروحية خاصة لأنها تأتي من زعيمين روحيين كبيرين للإسلام والمسيحية، وهما ديانتان عالميتان يشكلان ثقلا ديموغرافيا كبيرا على المستوى الدولي. إن إرادة أمير المؤمنين والحبر الأعظم تمنح الدعوة قوتها الروحية والأخلاقية ذات النطاق الدبلوماسي والسياسي.
وبعد 4 سنوات من هذه الرحلة التي حظيت بتغطية إعلامية دولية ورحبت بها شخصيات سياسية ودينية بارزة من جميع أنحاء العالم، لا يفوت البابا فرانسيس أي فرصة للتعبير عن تقديره العميق واحترامه المميز لشخص جلالة الملك.
وتقول سفيرة المملكة لدى الفاتيكان، رجاء ناجي مكاوي، للوكالة: “في كل مرة التقيت به لا يكف عن التعبير بكلماته وإيماءاته عن إعجاب استثنائي بجلالة الملك وبمؤسسة إمارة المؤمنين التي يعتبرها مؤسسة فريدة من نوعها في العالم، مؤهلة لحماية جميع المؤمنين، خاصة في إفريقيا”. كما لا يتردد البابا في الإشادة بالعلاقات “القوية والمتميزة والمثالية” بين الكرسي الرسولي والمملكة.
يذكر أن جلالة الملك أمير المؤمنين بعث، الاثنين، برقية تهنئة إلى البابا فرانسيس، بمناسبة الذكرى العاشرة لاعتلائه الكرسي البابوي. وسجل جلالته اعتزازه بالعلاقات المتميزة التي تجمع المملكة المغربية بحاضرة الفاتيكان، مؤكدا حرصه الراسخ على مواصلة العمل المشترك في خدمة السلم والأخوة والتضامن الإنساني عبر العالم.