ONCF 970 x 250 VA

أكذوبة إصلاح التعليم

0

إلى متى ونحن على ما عليه مصدقين قصص ذلك الإصلاح الذي لم يأت بعد طول انتظار زاد عن نصف قرن، والحال أن التعليم في بلادنا لا يزداد إلا استفحالا. فكل المشاريع التي قيل عنها بأنها تندرج في سياق الإصلاح ثبت بالفعل أنها مشاريع عشوائية لا تستقيم على أساس ولا على دراسات واقعية.

هذا التخبط يعزى أولا إلى أن القائمين على هذا القطاع الحيوي لا يملكون نسقا فكريا متكاملا ومقاربة استراتيجية تجاه التعليم مستوحاة من صميم الواقع، ويعزى ثانيا إلى أن هذا القطاع تتحكم فيه بالأساس أيديولوجيات الأحزاب التي كانت دائما تسند إليها حقيبة التعليم منذ ستينيات القرن الماضي. فيما كان ينبغي اعتبار  هذه الوزارة واحدة من وزارات السيادة،وأن التعليم والمنظومة التربوية يجب النأي بهما عن كل المزايدات السياسوية والإيديولوجيات مهما كانت طبيعتها. ولذلك لم يكن هدف تلك المشاريع إصلاح المنظومة التربوية بقدر ما كانت النية تتجه عمدا نحو التلاعب في هذا القطاع والعبث فيه بما يخدم مصالح فئة معينة.

كل ما قيل عنه من إصلاح كان في واقع الأمر إفسادا مدبرا يستهدف بالأساس تدمير هذا القطاع وتدمير مستقبل أبناء المغاربة بحرمانهم وعدم فتح المجال لهم  للوصول الى مدارك في التعليم العالي. وكان  منتبعات تلك السياسة غير البريئة أن آلت المناصب الدسمة إلى أبناء المجتمع المخملي فيما البقية الباقة كان قدرها وما يزال أن تمني النفس بفتات وتلهو بعظام عنوانها بالخط العريض شظف العيش والعيش المقيت.

ولنا ما يكفي كي نقيم الحجة على ذلك. ففي بداية الاستقلال أرادوا للتعليم أن يكون نخبويا لا يلجه إلا أبناء النخب السياسية في المدن وخاصة فاس والدار البيضاء وهي تلكم النخب التي ورثت السلطة عن الاستعمار الفرنسي بما في ذلك أبناء الأعيان المحسوبين على رؤوس الأصابع في مناطق الأطلس. أما أبناء الشعب فقد رسموا لهم مستقبلا حددوه لهم فيما كان يعرف آنذاك شعبيا وعند الأمازيغ بالركوب في العسكر” بحجة أن هذه الوظيفة تليق بالطابع الحاد لأبناء البوادي ومناطق جبال الأطلس.

كان ذلك في ستينيات القرن الماضي، وفي أواسط سبعينياته مع تغير البنية الديمغرافية استشعر من هم أصحاب الحال  بالخطر الداهم وسارعوا إلى مواكبة ذلك التغيير بالالتفاف على ما يمكن أن يحمله من مخاطر على مصالحهم وذلك بتبني مقاربة جديدة هدفها إبقاء الوضع تحت السيطرة. مقاربة مخادعة تعتمد على “تخريب التعليم”  تحت مسمى “تعريب التعليم” . وامتدت موجة التعريب بشكل تدريجي بدأت بتدريس مواد غير علمية باللغة العربية كالتاريخ والجغرافية ومادة الفلسفة التي تم حذفها في وقت لاحق لاعتبارات سياسية وتعويضها بمادة الفكر الإسلامي. ولم يتوقف زحف التعريب عند هذا الحد بل امتد ليطال بقية المواد الأخرى كالرياضيات والعلوم الطبيعية وغيرها من العلوم الأخرى. وبقيت الفرنسية وحدها تدرس كلغة في حدودها الدنيا إلى غاية الحصول على شهادة الباكلوريا في التعليم العمومي. ومع تدني المستوى الدراسي يكون مستقبل التلميذ في التعليم الجامعي قد حكم عليه بالتوقف بعد أن أصبح غير قادر على ولوج الجامعات ذات الطابع العلمي التي تعتمد الفرنسية كلغة تدريس. وهو الإقصاء الممنهج لأن رصيد غالبية الطلبة في اللغة لفرنسية هزيل ولا يؤهلهم إطلاقا اجتياز مباريات الولوج حتى ولو كانوا نوابغ في المواد العلمية.

وبعيد مرحلة “التعليم المبغرر أي نسبة إلى “بغرير” في إشارة إلى اعتماد لغة الدارجة المغربية في السلك الابتدائي، سارع أصحاب الحال مرة أخرى إلى سياسة المد والجزر بالعودة إلى “فرنسة”  تلك المواد التي شملها التعريب، فأرادوا أن تكون انطلاقة مسلسل “الفرنسة” من سنوات الباكلوريا نزولا إلى مستويات ما دون ذلك، وليس بدءا من المرحلة الابتدائية التي هي الأساس في البناء المعرفي للتلميذ من حيث الرصيد اللغوي الذي ينمو مع الطفل بشكل تدريجي. ولأول مرة تعلمت عنهم أن التغيير يأتي من الفوق وليس من الأساس. وكان من نتيجة ذلك التشويش على المسار الدراسي وضياع التلميذ في المناهج المتعددة والتي غالبا ما تكون مناهج متناقضة.

ولأول مرة كذلك، تعلمت أن مشاريع الإصلاح عندهم لا يحكمها سقف زمني محدد يتراوح مبدئيا عند الدول التي تتوخى الإصلاح الحقيقي ما بين عشر سنوات وخمسة عشر سنة. عندهم قد يكون المشروع نزوة يبرمج هذه السنة ليعاد فيه النظر أو يلغى بمشروع آخر في السنة الموالية أو ما بعدها. قد ترصد ميزانيات ضخمة لكل مشروع وتذهب أدراج الرياح وكأن شيئا لم يكن ولا رقيب ولا حسيب. سيناريوهات من هذا القبيل نتفرج عليها من حين لآخر ولا نفعل في أصحابها مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة. كيف يمكن لأي مشروع أن يثمر نتائج إيجابية في ظرف وجيز لم تكتمل فيه بعد الظروف اللازمة  لتنزيل مقتضيات ما يسمى بالإصلاح على أرضية ناضجة. ما عدا دون ذلك يبقى الشك سيد الموقف يحيلنا على وجود نوايا مبيتة هدفها العبث بمصير أبناء الشعب وخلق فرص للإثراء بدون سبب.  

إشكالية التعليم في بلادنا معقدة أو هكذا أرادوا لها أن تكون. فهي إشكالية مركبة منها أولا ما يتعلق بالمناهج والمقررات الدراسية التي ليس لها علاقة لا بالواقع فقط ولكن كثرتها في نفس الوقت تثقل كاهل التلميذ في سن مبكرة وتنال من قدراته في التحصيل المعرفي ومن قدراته على التركيز والانتباه ليصبح مشتتا بدون جدوى ما بين أولويات وما بين ما هو غير ضروري في المراحل الأولى من دراسته.

والوجه الثاني لهذه الإشكالية يتمثل في الجانب اللوجيستي والبنية التحتية والكوادر التربوية حيث الخصاص في كل هذه الجوانب لا مجال لكي يختلف فيه اثنان. والمفارقات صارخة وصادمة ما بين السياسات المعلنة والواقع الأليم لهذا القطاع في الحواضر والبوادي على وجه الخصوص. ومن موقعنا في العمل الجمعوي وفي رابطة جمعيات أولياء التلاميذ وقفنا على ذلك الخصاص في الأقسام حيث الاكتظاظ يتجاوز أربعين تلميذا في الفصل. يضاف إلى أن العديد من المؤسسات الدراسية تشكو من نقص في هيئة المعلمين والأساتذة وقد يصل أحيانا إلى خمسة في مؤسسة واحدة منهم من جاء ليوقع فقط على محضر الدحول واختفى من بداية الدراسة إلى يومنا هذا، ومنهم من يدلي بشواهد طبية من حين لآخر ولا من يعوضه. ولا يسأل أحد عن ذلك وإن اشتكيت فلن تجد أذانا صاغية.

ولا يسعني في هذا الصدد إلا أن أتوجه إلى سيادة الوزير باعتباره المسؤول الأول على هذا القطاع، وأقول لسيادته نحن نقص عليك هذه القصص ويفترض فيك أن تكون على علم بأكثر منها. ولنا اليقين أنك على علم حينما طالعتنا بتصريح يلخص كارثة التعليم في بلادنا في كون أن ما يزيد عن 80 بالمائة من التلاميذ لا يستطيعون أن ينجزوا عملية حسابية بسيطة. الجديد في ذلك كونه أنك صرحت به وأعلنت عنه بعظمة لسانك لكن يظل ذلك غير كافيا. والأهم من التشخيص هو الكشف عن أسباب هذه الوضعية ولماذا وكيف وصلنا إلى هذه الوضعية وما هي الحلول اللازمة لمعالجة هذه الآفة. وفي هذا السياق أقول للسيد الوزير أنه في نهاية الموسم الدراسي الأخير رفعتم شعارا من عنوانه يبدو مهما وهو “تجويد المدرسة العمومية . وقد استبشرنا خيرا لكن مع بداية السنة الدراسية صعقنا بما لم يكن في الحسبان بعد أن وجدنا أنفسنا نواجه مشكلا بسيطا وخطيرا في نفس الوقت وما كان له أن يطرح أصلا ، ويكمن في عدم توفير كتب مقررة برسم هذه السنة. ونحن سيدي الوزير ندخل بعد هذه العطلة الشهر الثالث من هذه السنة الدراسية والكتب المقررة غير متوفرة في الأسواق. فإذا كانت وزارتكم لا تستطيع أن تحل هذا المشكل البسيط فكيف يمكن لوزارتكم معالجة القضايا المستعصية في إطار ما سميتموه بتجويد المدرسة العمومية.

سيدي الوزير معادلتكم في الوزارة معادلة صعبة وأنتم لست فيها سوى ذلك الرقم السهل ولستم سوى عابر سبيل . فالرقم الصعب يكمن في الحرس القديم ّحراس الهيكل فأنتم المتغير وهم الثابت.، وأنتم المصلح وهم المفسدون. ومن باب وجود ثقة ملكية في شخصكم وجب عليكم من منطلق ما لكم من صلاحيات تطهير الوزارة من ذلك الحرس المناهض للإصلاح. فالإصلاح قد يبدأ من هذه الفئة فإن هي رحلت ستكون الانطلاقة سليمة وسيسجل لك ذلك في ميزان حسناتك. فاستعجل بهذا الأمر قبل أن تغادر الوزارة. ولا تكن مثل الذين سبقوك رحلوا وبقي من ورائهم أولئك الذين يفرشون سجاد الإصلاح لمن تعاقبوا على ترأس الوزارة كي يظفروا بغنائم الميزانيات المرصدة في صفقات مشبوهة مع شركات ومطابع أسسوها لهذه الغاية. فاعلم أنهم قد فرخوا في الوزارة وفي المصالح الخارجية. إصلاحاتهم جريمة في حق المغاربة فبادر أيها الرجل ليبقى ذكرك طيبا.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.