الكاتب والإعلامي المغربي عزيز كوكاس يبسط تجربته في الصحافة والإبداع ل”الزمان
فيّ بعض من لوثة أو لعنة اللا منتمي والكتابة تجريب للخلود ، لم يستطع جنس أو فن إبداعي واحد أن يمتص كل هذا الجنون الذي يسكنني
حاوره حسن بن شهبون
ـ ألا تحس بالتعب الآن، بعد كل هذا الترحال في الصحف: الزمن، الصحيفة، الأخبار، الأسبوعية الجديدة، المشعل… ثم التنقل بين القنوات الدولية ضيفا ومحللا، عدا تواجدك في مواقع إلكترونية مغربية وعربية؟
إن التنقل لعنة، لكنني لست استثناء، فلا يوجد تأمين صحافي بالمغرب، وأعتقد أن ذلك منحني تنوعا وثراء خصبا، وترك بصمات على كتاباتي كي لا أستقر مثل الماء، ومكنني من أن أستنشق هواء جديدا، لقاء أناسمختلفين وتجارب متعددة ومتباينة… لا يمكن أن أعارض قدري، سوى في محاولة ألا أموت، أن أقاوم الموت، هذا التنقل بين المنابر، هو رحلة متواصلة لأجد ذاتي وأيضا مقاومة للموت والتخشب، قد تكون الصحافة بالنسبة لي في منحى استعاري، هي المرأة التي روضت أنكيدو صديق جلجماش لكني مع ذلك أظل أتطلع للأفضل، وحين تقفل في وجهي أبواب كثيرة طرقتها، أشرع نافذة على الغياب أو الحضور، عشت متنقلا بين منابر قدر لها أن تكون صحف النقمة لا صحف النعمة كما أقول دائما، لكني على كل حال لست نادما على شيء، فلست بطلا تراجيديا لأستسلم لقدري إرضاء أو تأكيدا لوجود آلهة ما.
ـ قد تكون هذه عبارات شاعرية أو فلسفية منك، لإخفاء التعبير الصريح، الذي يمكن أن يعني الفشل، فشلك في الاستقرار في مشروع واحد، في بقاء المنابر التي تحملت مسؤولية إدارتها؟
كل من عليها فان ولا تدري نفس بأي أرض تقيم غدا… قد يبدو ما عبرتَ عنه صحيحا، أن أكون مديرا فاشلا لصحيفة أسستها، وقد يكون عجزك عن فهم طبيعة تحولات عميقة في مسار كاتب أو صحفي في مجتمع مركب مثل المغرب، فشل أيضا. يجب أن نحدد ما معنى الفشل في هذه الحالة لننطلق من نفس الأرضية، لتتأمل معي أن أكبر الجرائد المتميزة التي أثرت في مغرب نهاية الألفية الثانية وبداية الألفية الثالثة.. جلها انقرضت لهذا السبب أو ذاك، هي بمعيارك قد فشلت، لكن الناس لا زالوا يتذكرونها حتى اليوم، وستظل وشما على جسد الصحافة المغربية، فليبارك الله فشلي إذن..
ـ أنت أستاذ وصحفي، إعلامي وشاعر وروائي ومحلل سياسي، بل لك مشروع فيلم بعنوان “جراح الرمال”، تكتب الشذرة والقصيدة، القصة والرواية، أين تجد نفسك في كل هذه المتاهات؟
فيّ بعض من لوثة اللا منتمي، قد يكون في هذا التعدد اللامتناهي، ميسم من فشلي في أن أكون صحافيا كبيرا لا غير أو أديبا لا يشق له غبار، أو سينمائيا مبدعا، أو شاعرا يترك بصمته التي لا تبيد.. أو أن هذا التعدد بين القصيدة التي لم تأويني أو عراء السرد الذي تهت في ذاكرة غيابه، ووشم الصحافة… دليل كاف على أني عاشق متعدد يحرص على ألا تنبت لأي من هذه الفنون والأجناس جذور في قلبه ليسكنها إلى الأبد، لكن بمعنى ما يمكن أن نغير زاوية النظر، فلا أجد أن هناك حدودا جمركية ولا أسلاكا شائكة بين كل هذه الحقول المعرفية والإبداعية التي تورطت فيها، رغم أني لم أدع يوما أني شاعر ولا سينمائي، يجب أن نتواضع في حضرة الإبداع، وقد يكون لهذا التعدد منشأ يعود إلى كون الكتابة هي من تختار جنسها، ولست سوى اليد الثالثة التي تكتبني بها اللغة في هذا النوع الأدبي أو ذاك…
ـ لكن في أي حقل تجد نفسك بالذات؟
صدقني الأمر يبدو لي أحيانا مثل المشي وسط حقل واحد تتعدد مزروعاته، وألوان وروده، خاصة بين الصحافة والأدب، فقد كنت ميالا دوما أن أكون فيما أكتب مفيدا وممتعا.. لا يعجبني بعد الصراع على الإرث أو حق الملكية، أن تكون شاعرا فقط أو صحافيا فقط أو روائيافقط، دون أن تعبر عن نفسك بالشكل الذي يسعفك، وربما قد أعتبر نفسي متعددا وما ينتابني من قلق الكتابة، لم يستطع جنس أو فن إبداعي واحد أن يمتص كل هذا الجنون الذي يسكنني، إن الكتابة في نهاية المطاف هي تجريب للخلود، أن تضع نفسك في مواجهة الزوال والشوق للأبدية، لكي لا تكون فقط، بل أن تظل، أي أن تمنحك كتاباتك القدرة على الحياة حتى حين تضيق أنشوطة الموت حول عنقك، فأنا حين أكتب، لا أفكر يوما فيما سأتقاضاه عما أكتب، ولكن، أن أترك وشمي الآن واستقبالا، فالكتابة عشبة الخلود التي تهزم الموت.
-في جل مقالاتك الصحافية وحتى النقدية أو الإبداعية، تميزت بالافتتاح بقولة أو حكمة مقتبسة، هل هو عجز الكاتب عن قول ما يريد، ليأتي الاقتباس بمثابة إضاءة أو دليل يقود المتلقي لما تريد قوله؟
هل توجد كتابة على غير سابق؟ هل نقول كلاما خاصا بنا ونأتي بلغة من عندنا أم أننا فقط نعمل من داخل اللغة المشتركة لمجموعة وطنية لنبحث في داخلها عن صوتنا الخاص؟ أم أن اللغة هي التي تكتبنا وتقولنا، إن الأمر يضعنا في صلب قضايا إشكالية ترتبط بتصورنا للعالم والتاريخ واللغة والتراث ولمفهوم الكتابة ذاته؟
–لم الاقتباس من كتاب كبار وأنت قادر بلغتك على التوصيل، والاحتفاظ ببصمة الإبداع على غير سابق؟
اعتدت القول إني لست صحافيا ولا كاتبا لقيطا، إني وليد شجرة أنساب باذخة في الكتابة، وما أعتقد أن حتى كبار الكتاب العالميين، كانوا يكتبون لغتهم الخاصة ولا توجد فيها أصوات من سبقوهم أو جايلوهم، وبخصوص الاقتباسات التي اعتدت أن أفتح بها مقالتي ونصوصي، ألفت انتباهك إلى التقديم الذي صدر به الأستاذ عبد السلام بنعبد العالي كتابه الجميل الموسوم ب”لا أملك إلا المسافات التي تبعدني”، حين يقول: “ يُبدى البعض انزعاجاً كبيراً من الكتابات التي تستعين بالاقتباسات، و“تتكئ” على بعض المفكِّرين الذين غدت أسماؤهم حجَّة يُعتمَدُ عليها... وهم ينصحون كُتَّابنا أن يُقلِعُوا عن استنساخ غيرهم، ويُثبتوا كفاءتهم وقدرتهم على الإبداع بأن ينطلقوا من “درجة صفر الكتابة“. رغم براءة النصيحة وحسن نِيِّتها وغَيْرتها على فكر”نا” وإبداعـ”نا”، فهى تنطوى على مفهوم معيَّن عن الكتابة، ونظرة بعينها إلى الفكر، بل ربَّما تفترض فَهْماً معيَّناً للهوية، وموقفاً بعينه من التراث الفكري.. المُسلَّمة الأولى التي تفترضها هذه النظرة هي أن الاقتباس أمر يتمُّ، دوماً، بوَعْى وسَبْق إصرار. والحال أن الكاتب غالباً ما يقتبس حتَّى إن ظنَّ أنه صاحب الفكرة وأنه السَّبَّاق إليها“.
ـ لنبدأ بأول رواية لك، التي تعددت طبعاتها، إنها بيضة ديكك السردي، في طبعتها الثالثة كتبت “ابنة الكلب هذه الذاكرة.. “ذاكرة الغياب”، لا زالت تتلبس بي، تأسرني، أريد أن أنفك من أسرها، أود قطع صلة الرحم معها فتظل متشبثة بوجداني وبغيرة الأطفال، تود أن تظل الرواية الوحيدة الأثيرة لدي“ هل نجحت اليوم في قتل ذاكرة غيابك؟
أتذكر ما كان يقوله هزينكا “أكتب كي لا أجن” وموريسبلانشو: “أكتب كي لا أموت”.. هناك علاقة ما بين الكتابة والموت والجنون، هناك كتب قتلت أصحابها، ف“الخبز الحافي“ قتل محمد شكري بمعنى ما، وقل نفس الشيء عن “موسم الهجرة إلى الشمال” للطيب صالح و”البؤساء” لفكتور هيغو… هناك كُتاب يتم اختزال كل ما أبدعوه في نص واحد لهم، هناك مبدعون ظُلموا وأحسوا بالقهر بسبب شهرة منتوج واحد لهم يطغى على غيره، وعادة ما يكون كتابهم البكر، ولو كان ما أبدعوه بعدهأكثر جودة، والنص الذي اشتهروا به ساهمت في شهرته، ليست إبداعيته فقط، ولكن سياقات تاريخية واجتماعية وسياسية وثقافية وإعلامية عامة… من هنا فهيمنة رواية “ذاكرة الغياب” واستمرار حضورها مبهج لكن الأمر يزعجني، وأخشى أن تظل غيرتها عائقا عن إنتاج نصوص أخرى لكي لا تبقى بيضة الديك لدي، لي مشاريع عديدة في مجال السرد، لكن لا أحد اكتمل نضجها أو كلها رهينة عطف ورحمة روايتي “ذاكرة الغياب“.
ـ في كتابك “سطوة العتمة“ الذي تعمدت أن تشم جنسه بنصوص، نجدك كما لو تبحث عن صوتك الشخصي، فلذلك زاوجت بين السرد والشعر؟
لم أتجرأ يوما على أن أقول إني شاعر، أو أشم نصوصي بطابع هذا الجنس “المقدس”، لدي، فأنت تعرف أني خريج كلية الآداب، تخصص شعر، وخبرت الشعر تذوقا ونقدا، لكن يجب أن نميز بين اللغة الشعرية وجنس الشعر الذي اعتبره أرسطو أقرب إلى الفلسفة من التاريخ.. فما حاولته في “سطوة العتمة” هو أن أجرب، أن أضع نفسي على أهبة السفر بعيدا، وهذا هو الكتاب الإبداعي الوحيد الذي برغم نفاذه لم أجرأ على إعادة طبعه.
ـ لم؟ هل اعتبرت نفسك خرجت من “سطوة العتمة“؟
إذا قدر لي بنوع من الكسل اللغوي، أن أوظف تعابيرك فلأقل إني على الأقل سموت في سلم هذه العتمة المطبقة التي لا أشتهي حتى أن أخرج منها، فضوء آخر النفق، خيط متاه طويل..
ـ في ديوانك الشذري “الصحو مثير للضجر” تحاول أن تُهرب بعض انفلاتك الشعري من الانسحاق الدائم لليومي، الذي جرفتك إليه الصحافة، هل يعتبر الاحتفاء ب”الصحو مثير للضجر” في الصحافة الوطنية والمحفل النقدي المغربي والعربي انتصارا للشعر على الصحافة فيك؟
باعتبار الشذرة انفلاتا، تصدعا، تفككا، خروجا عن قاعدة النسق أو النظام، بالمفهوم الذي حدده دوسوسير، أقول نعم، ففي غمرة الانسحاق الكلي تحت وطأة الصحافة، كان علي أن أختار بين الصحافة والأدب، وهو خيار صعب، فوجدت في الشذرة مسكنا خاصا، مأوى وجوديا، أشبه بالمنفلت من أسر القاعدة.
في زحمة الانشغال بتسقّط الخبر اليومي وتتبع الأحداث والوقائع، لم يعد لي متسع من الوقت لا للقراءة كما اعتدتولا الكتابة الإبداعية ذات النفس الطويل، فالشذرة مثل الطلقة، إما أن تصيب أو تخيب.. كنت آوي إلى نفسي بين الفينة والأخرى، أُهرب بعض أحلامي وشغبي في الكتابة الإبداعية، تعلمني الشذرة التواضع دوما، حين أقرأ أليكانتي، فرناندو بيسوا، سيوران، نيتشه، بلانشو، بول ريكور.. أتواضع جدا، وأقول إن الشذرة القادمة قد تكون أجمل، ويحدث لي أحيانا كما كتبت في تقديمي ل”الصحو مثير للضجر” أن أنتج شذرات استثنائية مبهجة.. غير أني أكتشف بعدها أن علما كبيرا في الشذرة قال شيئا مشابها فأضطر إلى حذفها، بالرغم من أني لم أقرأ يوما للكاتب الكبير الذي وجدت عنده تماثلا لما أنتجت، ببساطة فأنا التالي في الزمن الذي لا يمكن أن يدّعي سبقا، لأن مفهوم التفاعل أو التداخل النصي مستحدث في ثقافتنا..
ـ تقصد مفهوم السرقات الأدبية، لقد قرأت حكاية جميلة في تقديمك ل”الصحو مثير للضجر”، بدا لي الأمر كما لو أنك تبحث عن النص الذي لم يُقل بعد؟
هذا تشريف لا أدعيه، بل لا أستحقه في الاستمرار في الكتابة، نبحث عن النص الذي نريد أن نقول فيه شيئا، نص دمه على خده، يشبهنا، يقولنا، يكون مثل جواز مرور لأفئدة من يعشقوننا، أو بطاقة هوية تعبر عنا.. الكتابة المستمرة هي صراع من أجل الخلود وقهر الموت، هي اشتهاء امتلاك الزمن والنجاة من الفناء، أشبه بما كان يبحث عنه جلجماش، نبتة الخلود، الكتابة بعد النص الأول، هي تجاوز سقف الاعتراف إلى عتبة الوشم، كما لو أننا نقايض بإبداعنا سلطة الموت القاهرة، هل قلت كل ما أردت في “الصحو المثير للضجر”؟ هل أسعفتني العبارة لأقول ها قد سرقت من وهج الزمان شمسا خاصة بي، أقصد صوتا يليق بي، لغة خاصة بي، أسلوبا يعبر عني، مجرد انفعال عابر..
ـ في كتابك “في حضرة الإمبراطور المعظم كوفيد التاسع عشر“ نحس بصدمة الخوف من الموت، ألهذا الحد أرعبتك كورونا؟
ليس الموت ما يخيفني.. وإنما الإحساس بالموت، لقد عاش العالم تجربة نوعية في حضرة كوفيد التاسع عشر الذي أدخل “اللايقين” في قلب الاطمئنان الأعمى الذي ورطتنا فيه الوضعية، ليس التجريب هو اليقين الثابت.. لقد تحطمت العديد من المحكيات عن مركزية الإنسان، وروح التقنية التي تحولت إلى إلاه يتحكم في العالم، اللا يقين في المعرفة والوجود له معنى أساسي، هو أن الاستهلاك لن يخلق سعادة الإنسان، والمال ليس مبرر الصراع في الوجود، لقد ظللنا مسجونين في بيوتنا لأكثر من ثلاثة أشهر، كان الوضع أشبه بتهشم المرآة التي يرى الإنسان فيها نفسه كل يوم، وعلينا وحدنا أن نعيد ترميم كل شيء من جديد.. ألم نحس ببعد الفاجعة في الوجود، الكتابة، الزمن وعلاقتك بالآخرين والعالم من حولك؟
الموت هو مشكل الآخرين، لأننا لن نموت قبل الموت، وإنما كنا نتساءل أمام فيروس حقير، حرايمي، متحور، فيروس ميكروسكوبي لا يُرى بالعين المجردة، كيف جعلنا في حالة حرب ضد عدو غير مرئي، كيف نزلت الدبابات إلى الشوارع؟ وكيف أخذ الإعلام يوظف ترسانة لغوية عسكرية مثل: المواجهة، العدو، الانتصار، الهزيمة، التصدي، الحرب على الفيروس؟ كيف هزم يقين البشر في تملكه للطبيعة وتطويعه لها من أجل إسعاد البشرية؟
ـ تتكلم بنغمة حزينة رغم أن كتابك “في حضرة الإمبراطور المعظم كوفيد التاسع عشر” يعج بالسخرية والمرح، أو كما قال الدكتور الراحل محمد سبيلا في تقديمه لكتابك بأنك تجعل قارئه يطرب للحزن ويحزن للطرب؟
ـ ليست السخرية نقيضا للحزن والألم، بدليل ما قاله المتنبي “وكم ذا بمصر من مضحكات لكنه ضحك كالبكاء”، أو كما نقول في المثل المغربي: “كيضحك بحال الراس المشوط” أو “كثرة الهم كتضحك”، فالضحك هنا ليس سوى محاولة لقلب العالم لنرى له هيئة معقولة، محاولة استيعاب التحولات التراجيدية، تُفجر فينا طاقة هائلة للباروديا، للضحك والسخرية، وهذا ما حاولت أن أقوم به في جزء من كتابي “في حضرة الإمبراطور المعظم كوفيد التاسع عشر”.
ـ في “فتنة بذرة الجمال “نعثر على كوكاس الناقد و“المنقود”، أي الذي تصبح إبداعاته محل نقد، لكن لم نعثر سوى على القراءات المنوهة بإبداعك، ألا توجد دراسات نقدية تتصدى بإبراز السلب في إبداعاتك؟
العديد ممن كتبوا عن إبداعاتي داخل المغرب وخارجهم، لا أعرفهم حتى اليوم سوى بالاسم، عدا شلة من الأصدقاء الذين احتفوا ب”ذاكرة الغياب” و”سطوة العتمة”، أؤكد لك أن جلهم لا أعرف عنهم شيئا، بل إني سعيت للتواصل معبعض النقاد، الذين درسوا جزءا من إبداعاتي لأشكرهم، خاصة في حالة الدراسات الماتعة.
في كل كتابة يوجد نقص ما، وإلا لما بحثنا عن نص تالي ونكتفي بالنص الكامل الذي قلناه أو قالنا، الإبداع سيرورة وصيرورة، أي استمرار وتحول، والكتابة الإبداعية مليئة بالقطائع والانفصال، والهنّات هي التي تجعلنا نبحث عن تطوير أسلوبنا وإبداع ما نعتقد في لحظة أنه الأجود، فأنا أكبر ناقد لكتاباتي قبل أن ترى النور، وأحيانا أعض شفتاي حتى أكاد أدميهما متسائلا كيف سمحت لنفسي بنشر مقال أو نص قبل اكتمال نضجه.أعي تلك الأنانية المتأصلة في النفس التي تحث على الانحفاز في التأليف وتعجيل الإتمام به كما يقول أبو حازم القرطاجني، ولكني أكبر ناقد لكتبي وكم عانى معي المصححون حتى وأنا أقدم كتابي للطبع في الشكل النهائي لكثرة التغييرات التي أحدثها على النص الذي اعتقدت أنه اكتمل!