ONCF 970 x 250 VA

ثورة 20 غشت: تعزيز للمواطنة في الدفاع عن الوحدة الترابية ومساءلة للسياسات العمومية الموجهة للجالية المغربية بالخارج

0

بقلم : ياسين تمورت باحث في القانون العام والعلوم السياسية

تشكل ثورة الملك والشعب فرصة سنوية لاستحضار القيم الوطنية العليا والثابتة لدى المجتمع المغربي بشأن القضايا الوطنية والارتباط الوثيق بالهوية المغربية، المتعددة المكونات المنصهرة.

فمن خلال استقراء بنود دستور سنة 2011، نجد أنهذا الدستور أعادة تعريف الهوية الثقافية المغربية منخلال الاعتراف بغنى وتنوع الهوية المغربية وانصهارمكوناتها الأساسية العربية والإسلامية والأمازيغيةوالصحراوية والحسانية، مع الإقرار بتبوؤ الدينالإسلامي مكانة الصدارة، في ظل التأكيد على تشبثالشعب المغربي بقيم الانفتاح والاعتدال والتسامحوالحوار المتبادل بين الثقافات والحضارات الإنسانية.

فمن هذه المعطيات يمكننا أن نحاول استقراء مضامين الخطاب الملكي الذي وجهه جلالة الملك إلى الأمة بمناسبة الذكرى التاسعة والستين لثورة الملك والشعب.

وإذ تعد هذه المناسبة محطة أساسية في مسار استكمال الوحدة الترابية قبل 7 عقود، والدفاع عن الوحدة الترابية للمملكة؛ لذلك يؤكد جلالته على أن قضية الصحراء المغربية حققت ما وصلت إليه اليوم بالجهود المبذولة على المستوى الرسمي، والموازي من خلال عدة مبادرات والتي من أبرزها الجهود المواطنة لأفراد الجالية المغربية واليهود المغاربة.

حيث أبرز جلالته من خلال العبارة التي يمكن اتخاذها شعارا رسميا لملف القضية الترابية: “إن ملف الصحراءهو النظارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم“، واعتبار الملف : “ المعيار الواضح والبسيط، الذي يقيس به[المغرب] صدق الصداقات، ونجاعة الشراكات“.

لذلك عمد جلالة الملك إلى جرد مستجدات الجهود الوطنية وما حققته على المستوى الدولي عبر :
o الإشادة بالمواقف الثابتة للدول الوازنة وفي مقدمتها موقف الولايات المتحدة الأمريكية، حيث أنه رغم تغير الحكومات، والظرفيات؛
o تثمين الموقف الواضح والمسؤول لمملكة إسبانيا، باعتبارها دولة متصلة بالموضوع ولديها معرفة جيدة بشأن أصل النزاعوحقيقته؛
o تعزيز الشراكة، وعلاقات الثقة مع الدول الأوروبية الصديقة التي عبرت عن مواقف بناءة من مبادرة الحكم الذاتي؛
o تقدير موقف الدول العربية التي فتحتقنصليات بالعيون والداخلة، باعتبارها دالة على عمق الموقف وجديته بشأن مغربية الصحراء؛
o شكر دول مجلس التعاون الخليجي، ودولتي مصر واليمن على دعم مغربية الصحراء؛
o الاعتزاز بمواقف الأشقاء الأفارقة، حيث بلغت نسبة مهمة جدا من الدول الإفريقية، تنتميلخمس مجموعات جهوية، بفتح قنصليات فيالعيون والداخلة؛
o الاشارة الى تنامي المواقف الداعمة للملف لدى دول أمريكا اللاتينية والتي اتخذت قرارات إيجابية جدا من قبيل توسيع نطاقاختصاصها القنصلي، ليشمل الأقاليمالجنوبية للمملكة.

فكان من هذه الإشارات الدالة على أن مختلف دول القارات همتها الجهود الوطنية، والتي حققت نتائج جد إيجابية، إلا أن تكون محفزا للدبلوماسية الوطنية، ولمختلف القوى الوطنية لبذل المزيد من الجهود؛ لإنهاء النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية.

وفي ذات الصدد، وتأسيسا على الوضوح الدائم للمملكة، وجه جلالة الملك رسالة هامة وصريحة إلى شركاءالمغرب التقليديين والجدد، التي تتبنى مواقف غيرواضحة، بخصوص مغربية الصحراء، أن توضح مواقفها،وتراجع مضمونها بشكل لا يقبل التأويل.

أما على المستوى الوطني (الداخلي) :

فجلالة الملك يؤكد من خلال ذكرى 20 غشت على أن جوهر الدفاع عن مغربية الصحراء. هو وحدة الجبهةالداخلية والتعبئة الشاملة لكل المغاربة، أينما كانوا،للتصدي لمناورات الأعداء. وهو ما يمكن التعبير عنه بالانخراط المواطن لمغاربة الخارج حيث أنه ما فتئ جلالته يؤكد على أن هذه القضية هي قضية جميع المغاربة دون استثناء. فمركزيتها في العقيدة الوطنية لكل مغربي تبوءها مكانة الروابط التي تجمع العرش بالشعب في إطار البيعة الشرعية التي تتجدد سنويا في عيد العرش.

من هنا يخصص جلالته أنه من بين الأدوار المواطنة والفاعلة؛ هناك الجهود التي تقوم بها الجالية المغربية المقيمة بالخارج، بالنظر الى النسبة المهمة لأفراد الجالية التي تقدر بحوالي 5 ملايين، وكذلك اليهود المغاربة المتواجدين في مختلف أنحاء العالم بمئات الآلاف.

وهنا يسائل جلالته الفاعلين في السياسات العمومية، في ارتباط بالأدوار التي يقوم بها أبناء الجالية في الخارج، وارتباطهم بالمملكة ومقدساتها، حيث لخص أهم الأدوار التي على الدولة أن تراعيها في معالجة قضايا المغاربة المقيمين بالخارج، والتي تشمل :

الإطار التشريعي الوطني، ومدى ملاءمته لخصوصيات المغاربة المقيمين في الخارج، والقوانين المؤطرة لوضعياتهم الإدارية والمسطرية؛ وهنا تبرز مجموعة من القضايا أبرزها المشاركة الديموقراطية، والانخراط السياسي، والمشاركة في الاستحقاقات السياسية الوطنية، والتمثيلية البرلمانية، وتمثيليتهم في المجالس الدستورية والاستشارية وتفعيل المؤسسات الخاصة بالجالية ..
السياسات العمومية الموجهة للجالية المقيمة بالخارج، وإدماج مقتضيات تراعي وضعياتهم في السياسات العمومية الوطنية، لا سيما على مستوى تأطير شباب المهجر، والقطاع السياحي، وتبسيط المساطر الإدارية، وتعزيز الخدمات القنصلية وتسهيلها عبر خدمات القرب والرقمنة ..
التأطير الديني والتربوي؛
التأكيد على فرص الاستثمار، حيث يركز جلالته في جل الخطابات على ضرورة تحقيق الظروف المناسبة لأبناء المغرب، وتوفير المواكبة والدعم اللازمين لإنجاح مشاريعهم الاستثمارية؛

هي أسئلة ملكية ليس وراءها هدف سوى الوقوف على “الفعل” أي القيام بما يلزم لتحقيق ما ينتظره أبناء الجالية المغربية على اختلافها، باعتبارهم جزءا من مسار التنمية، فلا يمكن بأي شكل من الأشكال إهمال الكفاءات المغربية العالمية، في مختلف المجالات، العلميةوالاقتصادية والسياسية، والثقافية والرياضية وغيرها. والتي تشكل مبعث فخر للمغرب والمغاربة جميعا.

وفي هذا الصدد دعى جلالة الملك إلى:

أولا: إحداث آلية خاصة لمواكبة الكفاءات والمواهبالمغربية بالخارج، ودعم مبادراتها ومشاريعها. حيث ينتظر أن تشكل هذه الآلية قاطرة تشكيل علاقة هيكليةدائمة، مع الكفاءات المغربية بالخارج، بما في ذلكالمغاربة اليهود؛ والتي ستمكن المغرب والمغاربة منالتعرف على هذه الكفاءات، والتواصل معها باستمرار،وتعريفها بمؤهلات وطنها، بما في ذلك دينامية التنميةوالاستثمار.

ثانيا: تحديث وتأهيل الإطار المؤسسي، الخاص بهذهالفئة العزيزة من المواطنين.، وإعادة النظر في نموذجالحكامة، الخاص بالمؤسسات الموجودة، قصد الرفع مننجاعتها وتكاملها.

وفي ذات السياق، وانطلاقا من حرص جلالته على هذه الفئة وارتباطها بالوطن، وجه دعوته المولوية إلى الشبابوحاملي المشاريع المغاربة، المقيمين بالخارج، للاستفادةمن فرص الاستثمار الكثيرة بأرض الوطن، ومنالتحفيزات والضمانات التي يمنحها ميثاق الاستثمارالجديد.

ومن وجهة نظرنا فإن مضامين الخطاب الملكي، سواء هذه الأخيرة المتعلقة بالسياسات العمومية الموجهة لأبناء الجالية المغربية بالخارج بما فيها المغاربة اليهود، أوتلك التي تهم المنتظم الدولي والجهود الوطنية بخصوص ملف الصحراء؛ ستليها خطوات وطنية على مستويين: المستوى الدبلوماسي الذي سيتعزز بناء على الحافزية التي يبثها الملك باستمرار، وخصوصا الدبلوماسية الموازية التي تمثلها مختلف الخطوات غير الرسمية من جهود أبناء الجالية وغيرها من المواطنين والتنظيمات المدنية، والاقتصادية المتعددة وغيرها ..، وكذلك لابد للحكومة أن تتخذ الإجراءات والتدابير الكفيلة بتنزيل التوجيهات الملكية والاستجابة للدعوة الملكية للعناية بالفئات المذكورة تحقيقا للغايات التي وردت في الخطاب الملكي.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.