العدالة إلى أين ؟

0

بقلم:  ذ عبد العزيز رويبح

القضاء أساس الملك، القضاء عنوان حضارة، القضاء وجه الدولة وصورتها، عندما ينحرف القضاء تميل الدولة وتفقد هيبتها وتنكسر قوتها وينحدر مستوى الثقة في خطاباتها وبرامجها ومجهوداتها مهما كانت كبيرة وصادقة…
عندما يحدث ويزيغ القضاء عن العدالة، ويستقيل عن القيم الوطنية، يستحيل الدستور والقوانين والمرافق والمؤسسات والأنظمة الى دوائر فارغة بدون مصداقية ولا روح ولا معنى.
لا غيرة على الوطن وقيمه وثوابته الجامعة ممن لا غيرة له على العدالة في هذا الوطن. إن الحياد في معركة إصلاح منظومة العدالة وتخليقها لا يليق بمن هو مؤتمن على حقوق الناس وحرياتهم وأمنهم القضائي، ولا يليق بمن حمّله المُشرّع أمانةَ إعمال القانون وإعلاء شأنه والدفاع عن سيادته.
العدالة لا تقبل الاتكال، وليست ملكا خاصا لأحد، وليست همًّا فئويا، بل هي شأن مجتمعي وحقوقي وقانوني بامتياز.
عندما تلتقي إرادة المؤسسات الدستورية ذات الصلة بنبض المجتمع، وإرادته وطموحاته، تنفرج بالضرورة معالم ومرتكزات الإصلاح والتغيير نحو الأفضل.
لكن ما معنى أن يكون لنا دستور بحجم دستور 2011، وقوانين جد متقدمة في باب تحصين الحقوق والحريات واستقلال السلطة القضائية… في حين نقف على واقع عدالة معتلة؟!
ما معنى أن تكون خطابات الدولة قوية، في كثير من الأحيان، وواضحة حول الإصلاح والتخليق والتحديث، ولا نجد في الممارسة إلا منظومة عدالة بجناحين في حيّز غير هيّن منهما، مثقلين بما لا يليق من سلوكات وتصرفات ونماذج…
ربما السبب في الفجوة بين الخطاب والممارسة هو ضعف التعبئة في مواجهة مكامن الخلل، وهو الارتكان إلى الاقتصار على توجيه وتأطير يفرطان في الثقة، كما يفرطان في التنظير، بدل اختراق الميدان وتأطيره والتأثير فيه، في الفعل والممارسة، مع ما يستوجبه ذلك من ربط دائم للمسؤولية بالمحاسبة.
إن المنعطف، الذي اتخذته السلطة القضائية ورئاسة النيابة العامة، قبل وبعد حدث التسريب الصوتي إياه، وما صدر عنهما من قرارات ومواقف قوية خلخلت الكثير من الموازين، وما ترتب عنها من تطهير لأكثر من موقع، وفي أكثر من مكان كنا شهودا على ما كان عليه وشهودا على ما أضحى عليه، هو عمل متواتر غير مألوف في كيفية التصدي والمعالجة، يفرض علينا تأمله وقراءته بموضوعية وبكثير من الإصغاء والتواضع ليتحمّل كل واحد منا مسؤوليته، محامين وقضاة بالأساس، أفرادا وهيئات، ليس من باب المطالب والمصالح الذاتية، بل من منطلق الروح الوطنية الصادقة، ومن إيماننا المشترك بقيم العدالة للمساهمة في النهوض بعدالتنا والوقوف على مكامن الخلل بكل شجاعة وجرأة…
إن المسؤولية القانونية الأخلاقية تفرض على المؤسسات المهنية أن تبذل مجهودا أكبر وأن تقوم بواجبها في الإصلاح والتخليق، وأن تُسهم في بلورة شروط مناخ يعلي من شأن النزاهة والاستقلالية والكرامة وعزة النفس، ليس باعتبارها مبادئ مجردة، بل بوصفها قواعد حمائية، تعزّز الثقة في النفس، وتعمّق الإيمان بالعدل، وتكرّس المعنى الحقيقي للالتزام المهني…
وحتى لا ننسى أو نتناسى، نحن جميعا، بحكم طبيعة عملنا وتفاعلنا اليومي، قدرنا أننا في “أكواريوم” واحد، نرى ونُرى، والعالم كله، شئنا أم أبينا، يرى…

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.