عمق المصالحة بين التاريخ و الجغرافيا: الأفق الاستراتيجي للعلاقات بين المغرب وإسبانيا
بقلم الدكتور سعيد بوشاكوك:”باحث أكاديمي مهتم بالشؤون الصحراوية”
“اكثرنا واقعية وبرغماتية اكثرنا عقلانية وثورية”
“هناك قوة الحضارة وحضارة القوة الأولى خالدة ومستمرة أما الثانية زائلة ومحدودة”
– يلاحظ المتتبع لمسار العلاقة بين المغرب واسبانيا حركة المد والجزر، وضعية الجمود والحيوية وفق موازين القوى والصراعات الجيوستراتيجية و تأثيراتها الظاهرة والخفية على هذه العلاقة مما يؤكد على نجاعة قرار الملك الراحل الحسن الثاني أن العلاقة بين البلدين تفرض خلية للتفكير قصد تتبعها وتقسيمها، نفس المنحى نهجه جلاله الملك محمد السادس نصره الله وخاصة في خطاب 20 غشت 2021 بتبني حكمة اليد الممدودة على أساس مراعاة الأمن القومي بمفهومه العام والثوابت الإستراتيجية التي تضمنها الخطاب الملكي بمناسبة الذكرى السادسة والأربعون للمسيرة الخضراء )6 نونبر 2021( الياتها التفاوض لإيجاد حل واقعي لنزاع الصحراء تحت الإشراف الحصري لمنظمة الأمم المتحدة/ مجلس الأمن الدولي وليس الهوية المغربية للأرض.
– إن المشترك بين المغرب واسبانيا مجاله واسع و شاسع على عكس نقط وقضايا المختلف حول تقديراتها مما يفسح الفرصة أكثر لتعزيز الثقة وخدمة المصالح المشتركة في جميع الميادين لأن تلك العلاقات تحكمها المصالح مما يستلزم العمل بشكل فعال وناجح لضمان استمراريتها والحفاظ على المكتسبات إنصافا للتاريخ العميق وإقرارا ماديا بقوة الجغرافيا الثابتة.
– إن الموقف التاريخي والجريء لإسبانيا المتضمن في رسالة رئيس الحكومة السيد بيدرو سانشيز بتاريخ 18 مارس 2022 الداعي إلى دعم خيار الحكم الذاتي باعتباره الأساس الأكثر واقعية وجدية ومصداقية يبرز نضج النخب السياسية الحاكمة في إسبانيا وكذا مؤثرة في صناعة القرار السياسي بتغليب منطق الحكمة والواقعية
والعقلانية في تدبير القضايا وبناء جسور العلاقات بين البلدين بمعادلة رابح رابح وكذا التوجه البراغماتي المنتج والبناء حاضرا أو مستقبلا كضمانة فضلى لاستقرار المنطقة وأمن شعوبها.
– إن الموقع الجغرافي للبلدين يحتم مراعاة حسن الجوار وتعزيز جسور بناء علاقه متينة بين الضفتين )شمال افريقيا وجنوب اوروبا تكتل 5+5، منطقة البحر الأبيض المتوسط وكذا علاقة شمال جنوب – الإتحاد الأفريقي والإتحاد الأوروبي(
– إن التاريخ بين البلدين خلق بصمات لا يمكن إغفالها كنموذج للتعايش بين الثقافات والحضارات محورها الانسان والقيم والتنمية مما يفرض فتح وتعزيز قنوات التواصل الثقافي لإحياء تلك المحطات المضيئة حيث على الجامعات ومراكز البحث والدراسات إقرار كرسي الحضارة الإسبانية أسوه بمركز الدراسات الأندلسية والإسبانية بجامعة محمد الخامس بالرباط حتى نشكل نواة معرفية صلبة لاختراق المجتمع الإسباني ونخبه ومؤسساته لإبراز المصالح المشتركة وعدالة قضايانا وشرعية مواقفنا.
– إن الأفق الجيوستراتيجي لبناء علاقة متينة بين المغرب وإسبانيا على أساس المصالح المشتركة سيؤثر بشكل إيجابي على مستقبل العلاقات بشكل أوسع محورها إفريقيا-أوروبا وخاصة في مجال الأمن والاستثمار والهجرة والجريمة المنظمة عبر القارات والإرهاب والتطرف والجماعات المسلحة.
– إن قراءة المبادرة المغربية حول الحكم الذاتي كحل تفاوض منذ 11 ابريل 2007 استحضرت عند صياغتها التجربة الإسبانية دولة المجموعات المستقلة مما يحتم تقوية الجبهة الداخلية وبناء نخب محلية جديدة بالصحراء المغربية من مختلف المشارب والتوجهات بتدبير ديمقراطي تملك سلطة الإقناع وقوة الخطاب والتواصل الفعال قصد الترافع بشكل واقعي ومسؤول ووعي جامعي بأبعاده المحلية والوطنية والدولية بتوظيف مختلف القنوات
المشروعة نصرة لصوت الحق والشرعية وعدالة قضيتنا والتوجه الوحدوي مستلهما مرتكزاته من الدبلوماسية الملكية الحكيمة والرصينة قوامها الإنسان والقيم والديمقراطية والوحدة والتنمية.
– إن استثمار نتائج هذا الموقف الجريء لإسبانيا كمنعطف تاريخي يزيد الثقة والوثوقية في خيار واقعية الحكم الذاتي كمكسب للدولتين يستلزم بناء ميثاق للتعاون المشترك اساسه الثقة وحسن الجوار والعمل المشترك والتنسيق والوحدة الترابية في انتظار الإجراءات العملية لتنزيلها وتفعيلها كالتعاون اللامركزي الدولي بمختلف صوره ، التبادل التجاري والاقتصادي والثقافي، التعاون في المجال الأمني والعسكري، فتح قنصليات إسبانية بالأقاليم الجنوبية، خلق منتدى اقتصادي مغربي إسباني…
وهكذا فبدل بناء جدران، من الأنجع والأفضل بناء جسور للتواصل، لذا فإن عمق التاريخ وصلابة الجغرافيا
افرزت موقفا منصفا وعادل وواضح لا يحتاج الى تأويل والشاهد على ذلك رسالة رئيس الحكومة الإسبانية وبلاغ الديوان الملكي و وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الأفريقي والجالية المقيمة بالخارج. …وسجل توثيقها المستقبل.