بين جبال المغرب العميق.. عيون حالمة وأمال تنتظر التحقيق
بقلم: فاطمة موسى:
كثيرا مانعجب بجمال بلدنا، مابين جباله، ووديانه، سهوله، وهضابه، أيضا طبيعته الخلابة وتضاريسه الوعرة، نذهل كثيرا لهندسة تجمعات سكنية صغيرة طينية قد تتمركز في قاع الجبل أو في أعلى القمم، نلتقط بعض الصور التذكارية لهذا الفضاء الساحر، ونكمل المسير… ولكن، لنتوقف لبعض الوقت ونمعن النظر جيدا في ما وراء الجدران، نتلمس المعاناة و المآسي لأولئك الأطفال اللذين يركضون وراء تحقيق أحلامهم عن طريق “التعليم” أكثر مايشغل بالنا كشباب، وأكثر مايشغل تفكير الأباء تجاه أبنائهم.
شهد المغرب تقدما ملحوظا خلال الآونة الأخيرة من حيث توسع رقعة التمدرس بين صفوف الاطفال اللذين تقل أعمارهم عن اثنتي عشر سنة، إلا أن هذه الرقعة في حقيقتها لم تشمل كل هؤلاء الأطفال، فما زال تلاميذ العالم القروي يعيشون نفس الصراعات نتيجة بعد المدارس وندرتها، إضافة إلى قلة المساكن الداخلية، وتقل نسبة المتمدرسين بنسبة كبيرة بعد الإنتقال للمرحلة الإعدادية ثم الثانوية، لترتفع بذلك نسبة الهدر المدرسي أضعافا من سلك لاخر.
في النهاية، وبعد الإنتهاء من المرحلة الإبتدائية التي لاتمر إلا بشق الأنفس، يتخذ كلا الجنسين طريقه؛ فئة الذكور تحذو حدوها نحو رعي الماشية ومزاولة مختلف الأنشطة الفلاحية، أما فئة الإناث فتجد نفسها هي الأخرى مجبرة على مزاولة مختلف الأعمال الشاقة؛ المنزلية والفلاحية. حتى تتمكن من كل مجالاتها؛ والتي تعتبر في واقع الحال مجرد فترة تدريبية تحضرها و تهيئها لولوج قفص الزواج المبكر الذي لامفر منه.
كثيرة إذن تلك الأحلام والأهداف التي يرسمها هؤلاء الأطفال للنهوض ببلادهم، لكن ما إن تبدأ المخاطر على طول الكيلومترات البعيدة التي تفصلهم عن المدرسة، حتى تبدأ هذه الطموحات بالتلاشي والإندثار رويدا رويدا، فيصفعهم الوطن صفعة تجعلهم يدركون جيدا مدى تماطل المسؤولين السياسيين عن توفير المؤسسات التعليمية والداخلية أيضا.
وفي هذا الصدد تبدأ تلك التدخلات العائلية بدعوى الخوف على أبنائهم من أخطار العوامل البيئية، و أخرى ناتجة عن التفكير الرجعي المتهالك، والتي تستدعي دائما توقيف الدراسة بشكل عاجل والرضوخ لطلبات الأسرة ومشاركتهم في جلب لقمة العيش.
مع إمكانيات شبه منعدمة، وشعور بالفراغ القاتم، والذي يرافق أفرادا ويسكن أجيالا متوالية، تبقى إمكانية التمدرس في العالم القروي إشكالية عميقة تزيد حدتها مع مرور السنوات، وتزيد معها أكوام الأمال المكسورة لأطفال كانوا في حقيقتهم قادرين على العطاء والتجديد… كانوا في حقيقتهم قادرين على النهوض بمستقبل البلاد والعباد.