تعديلات مدونة الاسرة المغربية : بين نضال نساء الأمة وخوف رجال الأمة

0

بقلم : محمد الغياط

يكتسي موضوع مدونة الاسرة اهمية اجتماعية كبيرة في الوط الاجتماعي المغربي ، باعتباره قانونا يهم جميع المواطنين والمواطنات و باعتبار ان الاسرة هي الخلية الاولى لتكوين المجتمع ، ولهذا فان شان تعديل هذا القانون تطغى عليه عدة اعتبارات اساسية تجعله يحظي بعناية خاصة من الملك باعتباره اميرا للمؤمنين وله اختصاصات تشريعية تخول له الاشراف على تنظيم هذا الامر الذي يهم المسلمين في المجتمع ، حيث اعتمدت امارة المؤمنين منذ سنوات على القيام بهذا الدور ومنذ بدء منذ تدوين اول مدونة للاحوال الشخصية سنة 1957 بتعليمات من الملك المغفور له محمد الخامس وبطريقة تشاورية واستشارية مع العلماء وفقهاء اصول الدين وذوي الاختصاص عملا بقوله تعالى :
“وشاورهم في الامر ” ثم قوله عز وجل: “واذا عزمت فتوكل على الله “

وهكذا ظلت القاعدة في المغرب كلما تعلق الأمر بتعديل مدونة الاسرة الا وانطلقت عملية التعديل بامر من جلالة الملك بناء على طلبات من المجتمع او مقتضيات تشريعية وغالبا ماتتم العملية عن طريق تكوين لجنة استشاريةمتعددة الاختصاصات يعينها الملك للنظر في المقترحات الواردة من مجموعة من جمعيات المجتمع المدني والعلماء والسلطة القضائية .
وحين ترتيب حصيلة الحوار والتداول بين جميع المهتمين ترفع حصيلة أعمالها لنظر السديد لجلال للملك الذي يأمر باحالتها على البرلمان لنظر فيهاباعتباره السلطةالتشريعيةالمختصة بإصدار القوانين .
و من خلال قراءتي في المقترحات الواردة في تعديلات مدونة الاسرة بالمغرب ،التي صدرت عن اللجنة الاستشارية الحالية خلال سنة 2024 ، لاحظت ان هناك بعض النقط: اولا : الإيجابيات في التعديل
1/تحديد سن الزواج للفتاة والفتى في 18سنة مع بعضالاستثناء في سن القاصر 17سنة
2/احداث هيئة غير قضائية للصلح والوساطة مهمتها محاولة الصلح بين الأزواج قبل ولوج مسطرة الطلاق.
3/جعل حضانة الاطفال حقا مشتركا بين الزوجين وامتداده بالاتفاق اثناء الطلاق
4/جعل النيابة القانونية مشتركة بين الزوجين اثناء قيام العلاقة الزوجية وبعد انفصالهما وفي حالة عدم الاتفاق يتم الفصل من طرف القضاء .
ثانيا :الجانب السلبي:
وهناك مقترحات لا اتفق معها واعتبرها سلبية ومنها :
●1/توثيق الخطبة كتابة اعتبره لاداعي لها لأنها من قبيل العرف المغربي وهي وعد بزواج وليت زواجا.
●2/ إجبارية استطلاع رأي الزوجة اثناء توثيق عقد الزواج كتابة شرط عدم التعديل او عدمه في رأي هذا سيخلق اضطرابا في بداية عقد الزواج لا داعي له مادام المدونة الحالية
في المادة 142تنص على منع التعدد الا بشروط محددةو بصفة استثنائية فلا داعي لإضافة هذه البلبلة حول الموضوع الذي نعتبره في طريق الانقراض.
●3/عدم سقوط حضانة الام المطلقة على ابناءيها بالرغم من زواجها ،

اتساءل كيف سيتم هذا الزواج وماهي شروطه واركانه ؟ وما مصير الأبناء بخصوص النفقة والنيابة القانونية وسكن المحضون ؟
واين تتجلي المحافظة على المصلحة الفضلى للمحضون ؟
●4/حق الزوج او الزوجة بالاحتفاظ ببيت الزوجية في حالة وفاة الزوج الاخر وفق شروط لم يحددها التعديل .
اعتقد ان هذا التعديل يحلل توقيف قسمة التركة ويعلقه الي غاية تحقق شرط الوفاة ، وهذا شرط وإجراء يتعارض مع النص القطعي في الارث ويحرم ذوي الحقوق من الانتفاع الى غاية وفاة الارمل او الأرملة وهذا من شأنه ان يثير مشاكل متعددة في العلاقات بين افراد الاسرة المغربية .
●5/ ارث البنات وإمكانية ان يهيب المرء قيد حياته مايشاء من أمواله للوارثات مع قيام الحياة الحكمية مقام الحياة الفعلية
هذا المقترح فيه تمييز بين الذكور والاناث وه تمييز ايجابي لصالح البنات لا داعي لطرح في المدونة لان بعض الناس يعملون لما يسمي العمرة اما للبنات او الزوجة او الاولاد جميعا ومهم من يساويها في الصدقة او الهبة في حياته .
وهذا امر طبيعي يستحسن تركه للأشخاص دون اقراره في القانون .
●6 / فتح إمكانية الوصية والهبة امام الزوجين في حالة اختلاف الدين
في اعتقادي أوافق على فتح إمكانيةتقبل عطاء الوصية او الهبة من غير المسلم لفاءيدة المسلمة او المسلم .
اما ان تهب او توصي المسلمة او المسلم لغير المسلم فأعتقد ان الصدقة أولى في المقربين او في بيت مال المسلمين وان منح الهبة والصدقة لغير المسلم فيه نوع من حرمان للمسلمين وضرب لمبداء التكافل والرحمة بين المسلمين
●7/ تاطير جديد لتدبير الأموال المكتسبة بين الزوجين اثناء العلاقة الزوجية مع تثمين عمل الزوجة داخل المنزل واعتباره مساهمة في تنمية الأموال المكتسبة خلال قيام العلاقة الزوجية .
تعديل لم يوضح الطريقة و يحتاج الي مسطرة تفصل بين الذمة المالية للزوجين من عدمها وتقدر العمل المنزلي بقيمة مالية محددة اما بالعرف المغربي كما جاء في عرف
( الكد والسعاية) او بتقديم مساهمة المراة .

واستنتج من خلال التعديلات ان الحركة النسائية في المغرب استطاعت ان تفرض نفسها ودافعت عن مطالبها بحنكة ونالت اغلب مطالبها بتضامن وحكمة وكان لها ماارادت باستثناء تغيير مسالة المساواة في الارث بين الرجل والمرأة التى لم يفلحن في فرضها لحد الساعة .
و يبدو لي أن النساء في المغرب حققن جميع مطالبهن .الا المناصفة اي المساواة في الارث بين الرجل والمرأة !!!!
رغم ان الاشارة في مقترح الهبة والعمرة تحيل الى اختراق نظام الارث في الشريعة الاسلامية بطريقة تشريعية .
اما رجال الامة في نظري فابانوا عن خوفهم و ضعف تفكيرهم وفشلوا في الدفاع عن مطالبهم وغاب صوتهم كالعادة في مثل هذه المناسبات والسبب أنهم واجهوا نساء حديديات عارفات بحقوقهن متمكنات بطريقة احترافية من الترافع على ملف بمرجعيات حقوق الإنسان وخاصة منها المتعلقة بحقوق المراة .
اعتقد اننا اليوم نتوجه الي جعل شؤون عقد الزواج في المغرب عقدا مدنيا وخاصة إذا استمر المشرع في تعديل مدونة الاسرة بهذه الصيغة التى لاحظناها هذه المرة
ففي هذا الوضع لم يبق الا فصل باب الزواج والطلاق و الغاؤه من مدونة الاسرة والحاقه بالقانون المدني قانون العقود الالتزامات .!!!!!
فهل المسالة ممنهجة بهذا الشكل ؟
وهل هناك دوافع وأسباب وراء هذا التغيير ؟
وهل هناك خلفيات وراء هذه التعديلات ؟
وهل هناك سياسة اجتماعية وقانونية وراء هذا التعديل ؟
ام ان الامر جاء بالصدفة ؟
اين مقاصد التشريع ؟
وهل لازال العمل بالنصوص القطعية الدلالة ؟
التي تتماشى مع قولة صاحب الجلالة الملك محمد السادس :
《لايمكنني بصفتي امير ا للموؤمنين ، ان احل ماحرم الله ولا احرم ما احله 》والتي شكلت قاعدة في تعديلات 2004وذكرنا بها في سنة 2024 《انا لا احرم حلالا ولا احل حراما》
هل لنا مايكفي من الاجتهاد والفكر المقاصد ي لمسايرة متطلبات وحاجيات العصر الحالي ؟
والى اي حد التوفيق بين ديمقراطية المجتمع وديمقراطية الدولة ؟
وفي أي نموذج اجتماعي وسياسي وقانوني سيتم تنزيل التشريع الخاص بالاسرة المغربية ؟
في خضم أصداء هذا الحدث التشريعي استحضر ما وقع سنة 1957حيث شكل المغفور له الملك محمد الخامس لجنة تدوين الشرع الاسلامي في مدونة الاحوال الشخصية تحت رعايته تتكون من علماء في الشريعة واصول الدين وكان أبرز الشخصيات الزعيم علالي الفاسي وجعل من بين اعضاءيها ولي العهد انذاك الامير مولاي الحسن واعتبر ذلك العمل واجبا دينيا مقدما وعملا وطنيا جليلا..( انظر خطاب الملك محمد الخامس امام البرلمان بتاريخ 10\10\1957)
وبعد ها لاحظنا في تعديلات سنة 2004 محاولة إفراغ المدونة من بعض مقتضيات الشرع الاسلامي بمرافعات من الحركة النسوية وبعض الحداثيين ، وغيرهم مقال مقاومة من المحافظين الاسلاميين .
واليوم تاكد الاتجاه و هو الإبتعاد ولو بالتدرج عن تعاليم الدين الاسلامي بخصوص كل مايتعلق ببعض من احكام الزواج والطلاق والارث والوصية والنيابة القانونية والنفقة والذمة المالية .
فهل الامر يتعلق بعملية ترويض المجتمع على تقبل التحولات القانونية حسب طموحات الحركات النسوية ؟
ام ان الامر يتعلق بمبادرة تعديل قانوني بناء على دراسات وابحاث علمية لسد ثغرات في التشريع الحالي وبالتالي البحث عن الاستقرار الأسري ؟
وعلاقة بموضوع مقترحات التعديل موضوع الحوار الاجتماعي فقد لاحظنا انقسام المجتمع الى ثلاثة تيارا ت :
1/تيار إسلامي : يقاوم التغيير ويتشبت بالنصوص القطعية الدلالة في القرآن
2/تيار محافظ: يقبل بالاجتهاد والفكر المقاصدي للشريعة الاسلامية لمسايرة العصر
3\تيار حداثي: اغلبهم من الحركة النسوية يطمحون للتغيير وفق مباديء حقوق الإنسان ويتشبتون بالمرجعية الدولية الخاصة بحقوق المراة .
☆محمد الغياط باحث في في مهن الاعلام والصناعة الثقافية
الرباط في 26\12\2025

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.