رأي لا يهمكم : القوانين الانتخابية بين ضرورات الإصلاح ومخاوف الهندسة أي مسار نختار؟

0

الگارح ابوسالم

في لحظة سياسية تتقاطع فيها التوترات، وتتنازع فيها الملفات الحارّة مساحات النقاش العمومي، يجد ورش القوانين الانتخابية نفسه في قلب عاصفة صامتة. فبين قضايا أخلاقية شغلت الرأي العام، ونقاشات حادة حول تضارب المصالح، وتقارير مهنية أعادت ترتيب الأولويات داخل الفضاء السياسي، برز شعور بأن النقاش التشريعي فقد شيئاً من هدوئه وعمقه، وبات محتاجاً إلى مقاربة أكثر صرامة و اتزان من حيث التقدير. وهذا ما يجعل السؤال مُلحّاً: هل نناقش قوانين ستنظّم المستقبل السياسي بصفاء ذهني كافٍ، أم أن السياق نفسه يضغط على النقاش ويعيده إلى نقطة البداية ؟
غير خافي أن القوانين الانتخابية ليست مجرد تعديلات تقنية، بل هي تعبير قانوني عن تصور الدولة لشكل التمثيلية السياسية. ولذلك، فإن أي تغيير يمس جوهرها يفرض مقاربة دقيقة تتجاوز ردود الفعل، وتتجنب الأحكام الجاهزة، وتستحضر مبادئ الدستور وروح العدالة الانتخابية. وهنا تظهر الحاجة إلى نقاش رصين، يجمع بين التحليل القانوني والقدرة على قراءة التحولات السياسية، لأن القاعدة الانتخابية ليست عملية حسابية فقط، بل هي هندسة للمشروعية ذاتها.

باعتبار أن ابرز نقاط التعديل المقترحة تضعنا اليوم أمام أسئلة كبرى. فاعتماد القاسم الانتخابي على أساس عدد المسجلين بدل الأصوات المعبر عنها، لا ينحصر في كونه إجراءً تنظيمياً، بل يثير تساؤلاً قانونياً مشروعاً: هل يمكن للامتناع أن يصبح جزءاً من هندسة التمثيلية، بينما يرتكز المنطق الدستوري على الإرادة المعبر عنها لا غير؟ ثم ما مدى انسجام هذا التعديل مع مبدأ المساواة بين الناخبين، ومع فلسفة الاقتراع التي تفترض أن الصوت الفعلي هو أساس الشرعية؟ هذه الأسئلة لا تهدف إلى التشكيك أو التزكية، بل إلى البحث عن صلابة المبررات التشريعية أمام معايير العدالة الانتخابية.
وفي الاتجاه نفسه، يرخي إلغاء العتبة الانتخابية بظلاله على مستقبل المؤسسة التشريعية. فبين من يراه مدخلاً لتوسيع المشاركة، ومن يعتبره بوابة لتفتيت المشهد السياسي، يبقى السؤال القانوني والسياسي قائماً: هل التعددية تُقاس بالعدد، أم بقدرة النظام الحزبي على إنتاج كتل فاعلة ومعارضة ذات وزن؟ وما هي حدود التوازن بين تمكين الأصوات الصغيرة وعدم التضحية بفعالية العمل البرلماني؟
وهنا أيضاً، المقاربة السليمة تقتضي الابتعاد عن اليقينيات الجاهزة، والبحث عن مرافعة تقوم على الحجة القانونية والتحليل المقارن.،كما تبرز مسألة أخرى ذات حساسية خاصة، تتعلق بتوسيع صلاحيات الإدارة في المسار الانتخابي. فتمكين جهة تنفيذية من اتخاذ إجراءات زجرية قبل صدور أحكام قضائية نهائية، يضعنا أمام سؤال جوهري: هل ينسجم هذا التوجه مع مبدأ فصل السلط وضمانات المحاكمة العادلة؟ وما هي الحدود الدقيقة بين التخليق المشروع والضبط الإداري الذي قد يُفهم – ولو بحسن نية – على أنه توجيه لمسار التنافس؟
إن مقاربة هذا الموضوع بمنطق قانوني هادئ تسمح بإبراز الضرورة دون السماح بالتجاوز، وتضع حدوداً واضحة بين السلطة التنظيمية والسلطة القضائية ولا تكتمل الصورة دون التوقف عند المقتضيات المتعلقة بتجريم “التشكيك في نزاهة الانتخابات”. هذا المجال بالذات يستوجب يقظة قانونية مضاعفة، لأن حرية التعبير جزء من ضمانات الشفافية، لا تهديد لها. فحين يُترك مفهوم “التشكيك” بلا تعريف دقيق، تصبح الحدود بين النقد المشروع والاتهام الكيدي غير واضحة وبها ضبابية ، وقد يجد الصحافي أو الفاعل السياسي نفسه أمام مساءلة بسبب تعليق أو تحليل. والسؤال هنا: كيف نضمن حرية التعبير دون أن يتحول النقاش الانتخابي إلى مجال مفتوح للاتهامات؟ وكيف نمنع الانحراف دون أن نقيد النقاش العمومي؟
هذه الأسئلة وغيرها ليست اعتراضاً، بل ضرورة لحماية الركائز القانونية لأي انتخابات نزيهة.
في نهاية المطاف، لا يتعلق النقاش حول القوانين الانتخابية فقط بما ورد في النصوص، بل بالسياق الذي تُناقش فيه، وبالمنهج الذي نقارب به هذا الورش الحاسم. فالإصلاح الحقيقي لا يقوم على رد الفعل، ولا على الإدانة المسبقة، بل على بناء توافقات صلبة تعيد الثقة وتؤسس لانتخابات تمثّل المجتمع، لا تصنعه مسبقاً. ولأن الاستحقاقات المقبلة تُعدّ نقطة تحول في مسار المغرب الحديث، فإن كل سؤال يُطرح اليوم هو استثمار في المستقبل السياسي للبلاد، وكل نقاش هادئ ومسؤول هو خطوة نحو انتخابات لا تعكس فقط النص القانوني، بل الإرادة الجماعية في ترسيخ مسار ديمقراطي واضح، مستقر، وشفاف
و بالتالي ،إن قوة هذا الورش ليست في سرعة المصادقة، بل في قوة الأسئلة التي تُطرح حوله، وفي قدرة التشريع على الإجابة عنها دون الالتفاف على جوهرها

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.