الكارح أبو سالم :
تمرير قانون المالية 2026 بأغلبية شكلية يحوّل النقاش المالي إلى واجهة للخطاب السياسي
في كل عام، عندما يحين موعد مناقشة قانون المالية، يتحوّل البرلمان إلى مسرح تتصارع فيه الخطابات السياسية، بينما تتراجع الأرقام الدقيقة والتدقيق المالي إلى الخلفية. هذا العام، لم يكن الاستثناء: التصويت على قانون المالية لسنة 2026 كشف هشاشة النقاش المالي وغياب المساءلة الحقيقية.
صوّت مجلس النواب على القانون بـ 80 صوتاً مؤيداً مقابل 25 معارضاً في القراءة الثانية، فيما صادقه مجلس المستشارين بـ 36 مؤيداً و12 معارضاً و6 امتنعوا عن التصويت. الأرقام توحي بان هناك تصويت او توماتيكي ،، والذي يخفي الواقع الذي يبرز في غياب نقاش حقيقي قائم على الحساب، ومحدودية تأثير النواب على صياغة القانون، حتى في اللجان المتخصصة التي استقبلت 350 تعديلاً لم يُقبل منها سوى نحو 30 تعديلاً.
ومعلوم ان الميزانيات الفرعية كانت جاهزة، مليئة بالأرقام لكل بند وبرنامج، وتوفّر قاعدة مثالية للتحليل والمقارنة، لكن غالبية الوقت استُنزف في سجالات سياسية ونقاشات جانبية، تاركاً الأسئلة الجوهرية عن الانحرافات، والأداء الفعلي، ومدى واقعية التوقعات المستقبلية على الهامش. حتى نقاط النظام، المفترض أن تنظم سير النقاش، لم تفعل أكثر من تعزيز الطابع السياسي للجلسة.
وبالتالي البرلمان، الذي يُفترض أن يكون “فلتر” لمساءلة الميزانية قبل المصادقة، أصبح محطة تمرّر فيها الوثيقة وفق الأغلبية العددية، دون مساءلة حقيقية. قوة المؤسسة التشريعية لا تُقاس بعدد الأصوات، بل بمدى قدرة النواب على تحويل الأرقام من معطيات صامتة إلى مؤشرات تُسائل السياسات العمومية، وتكشف الثغرات وتوضح الانحرافات.
غياب هذا النهج يحوّل التصويت إلى إجراء شكلي، ويترك المواطن بلا رؤية واضحة لجدوى النفقات وتوازن الموارد مع الأولويات الوطنية. النقاش المالي ليس رفاهية، بل قلب العملية التشريعية؛ وحين يفقد البرلمان هذا القلب، تفقد الدولة أهم آلية لضبط الأداء المالي وتحقيق المساءلة، ويبقى التصويت مجرد توقيع على ورقة تُمرّر، لا أداة فاعلة لرصد الأداء وتحقيق الشفافية، فهل بهكذا إستهتار يمكن إقناع الشباب بجدوى المؤسسات التشريعية واعادة نظره في العزوف عن السياسة وفتح المجال لولوج المعترك وفق المنظور الملكي والذي بدأت بشأنه حركات تسخينية لإغلاقه؟

