باتت ظاهرة ادعاء النفوذ داخل قطاع العدالة واحدة من الإشكالات التي تستدعي تدخلاً عاجلاً، بعدما تحولت بعض المنصات الرقمية إلى مجال خصب لابتزاز المتقاضين عبر روايات ملفقة يروجها أشخاص يقدمون أنفسهم باعتبارهم “قادرين على تغيير مسار الملفات”.
عبد اللطيف وهبي، وزير العدل، طرح هذا الملف بقوة خلال مناقشة الميزانية الفرعية لقطاعه بمجلس المستشارين، مؤكداً أن ما يجري يتجاوز مجرد محاولات بسيطة للنصب، ليأخذ شكل شبكات تستغل قلق المواطنين وتعلقهم بأي أمل لتسوية قضاياهم.
ووفق مداخلته، تقوم هذه الشبكات بصناعة “واجهة وهمية” عبر بث مقاطع مصورة أو حديث عن لقاءات عابرة مع مسؤولين قضائيين أو سياسيين، ثم تقديم تلك اللحظات كدليل على قدرتهم في التأثير داخل دهاليز المحاكم.
الوزير اعتبر أن مثل هذه الممارسات تضرب ثقة المواطن في المؤسسات، وتنشر صورة مغلوطة عن سير العدالة في البلاد.
ولم يكتف وهبي بالحديث في العموميات، بل قدم مثالاً من الواقع، حين أشار إلى شخص نسب لنفسه معرفة شخصية بالوزير لتخويف خصم له في نزاع بسيط، رغم أن الوزير لا يعرفه ولا له علاقة بالقضية.
هذه الواقعة، وفق المسؤول الحكومي، تكشف حجم الجرأة التي باتت ترافق هذه الادعاءات، ومحاولات توظيف أسماء رسمية في صراعات خاصة.
ودعا وهبي المواطنين إلى التعامل بحذر مع أي طرف يقدم نفسه كوسيط قادر على “التدخل” في الأحكام، مشدداً على أن العدالة لا تتحرك عبر الصور أو العلاقات المفترضة، وأن كل محاولة من هذا النوع لا تتجاوز كونها عملية نصب تستغل هشاشة الأطراف المتقاضية.
ولتأمين محيط المحاكم وتقليص المساحات التي يستغلها المحتالون، أوضح الوزير أن الوزارة شرعت في توسيع نظام الكاميرات داخل مختلف البنيات القضائية، بما يسمح برصد التحركات المريبة وتوثيق هوية كل من يلجها، بهدف حماية المرتفقين ومنع أي محاولة لاستدراجهم.
وختم وهبي بأن بناء عدالة نزيهة لا يمر فقط عبر التشريعات والإصلاحات، بل يتطلب أيضاً مواجهة ثقافة ادعاء النفوذ التي تتغذى على الأوهام، معتبراً أن “من يزعم القدرة على التأثير في القضاء إنما يبيع حلماً كاذباً، وسيمضي بأموال الضحايا تاركاً لهم ملفات أكثر تعقيداً”.
