الگارح ابو سالمCap24
في زمنٍ يتغيّر، وفي مغربٍ يسرع الخطى نحو التحديث والعصرنة والتنمية، تُطلّ علينا كلمة صغيرة “Un petit mot” كأنها عملة قديمة تحاول البقاء في سوق جديدة تتّسع فقط للمؤسسات والقانون والتدبير العصري، كلمة خفيفة، لكنها محمّلة بكل إرث الزمن البالي… إرث الهمسات التي تتحرّك في الظل وتريد أن تُصبح بديلاً عن المساطر والشفافية والحوكمة.“Un petit mot” لم تعد همسة ولا توصية عابرة، أصبحت عند البعض عملة سوداء يتداولونها في الكواليس، كأنها شيك غير موقّع لكنه نافذ المفعول.، عملة لا تُصرف في الأبناك، بل في الأذهان التي لم تستوعب بعد أن المغرب تغيّر، وأن زمن “الله يعز لمعارف ” أصبح خارج السياق.
هذه الكلمة، بقدر صغرها، تُستعمل عند أصحابها كما تُستعمل العملة الصعبة: تفتح الأبواب، تُلين الرقاب، تختصر المساطر، وتُلخبط المنطق.تسافر أسرع من البريد السريع، وتشتغل أقوى من أي إدارة… أو هكذا يتخيّلها من ما يزال يعيش بمنطق “غير ليه ”.
ومن هنا يطرح السؤال نفسه بسخريةٍ جارحة:بكم تُصرف هذه الكلمة؟ وما قيمتها في بورصة النفوذ؟هل تُشترى بـ “قهوة”؟ أم بـ “اليوم عندي غدا عندك ”؟ أم بثمنٍ أكبر من القانون نفسه؟
الغريب أن “Un petit mot” أصبحت تتردّد ببرودة دم في اجتماعات ومكاتب وإدارات، وكأنها جزء من “الدليل العملي للعمل المؤسساتي” وكأن الحديث عن الاستقلالية والحوكمة مجرد ديكور،هكذا يريدها البعض ان تكون المؤسسات أدوات في أيديهم والقانون آخر من يعلم، لا أول من يُحتكم إليه.
إن أخطر ما في “Un petit mot” ليس فقط أنها تُحلّ عقدًا أو تُشعل أخرى، بل أنها تُعيد إنتاج وهم القوة ، وهم أن هناك مسارًا موازيًا فوق القانون، أن هناك خطًا هاتفيًا أعلى من المنطق، وأن القرارات الكبرى تُصنع في الهامش لا في صلب المؤسسة.، لكن لهؤلاء اقول : هذا الوهم، مهما بدا قويًا، هو آخر أنفاس منظومة قديمة،لأن المغرب تحرّك… وخطابه تغيّر…ومؤسساته تُبنى على منطق جديد لا مكان فيه للكلمة-العملة “خوك صابي” .
أصحاب “Un petit mot” اليوم ليسوا إلاّ شرذمة تحاول فرملة السرعة في بلد اختار أن يتحرّك،يحاولون تعطيل عجلات التحديث وعرقلة دمقرطة المؤسسات، حتى تبقى طيّعة في أيديهم، وإدارة الملفات بالعلاقات لا بالوثائق، بالهمسات لا بالنصوص، لكن التاريخ يُعلّمنا شيئًا بسيطًا:الواقع الصالح هو الذي يبقى، والطالح له مسار واحد: الانقراض،ومهما حاول أصحاب “العملة الخفية” البقاء، فإنهم سيتقلّصون مع الوقت،إما بانتهاء عمرهم الافتراضي،وإما بقوة الواقع الجديد الذي يفرض نفسه كل يوم.
المغرب، ببساطة، أكبر من “كليمة”،أكبر من همسة تُلقى في ركن مكتب، أكبر من شبكة صغيرة تعتقد أنها تحكم المشهد.
المغرب دولة مؤسسات، وما يَحكمها ليس “Un petit mot”، بل مسار إصلاح لا يمكن إيقافه.هذا هو الخطر الحقيقي الذي يخافه أصحاب تلك الكلمة: أنهم لم يعودوا وحدهم في الساحة، وأن الزمن الجديد لا يشبههم… ولا ينتظرهم… ولا يحتاجهم, وun petit mot في النهاية ضربت في عارضة شموخ الدكتور امحمد عبّد النبوى ، وعادت أدراجها صوب قائلها فأنتجت العاصفة الهوجاء التي يعيش ويلاتها الآن في انتظار المحاسبة …
