القنوات العمومية وطلبات العروض بين النص والواقع: حين يتحوّل التنافس إلى احتكار مقنّع

0

 Cap24: الگارح ابو سالم

في كل دورة جديدة لطلبات العروض التي تُعلنها القنوات العمومية، تتجدد الوعود ذاتها: الشفافية، تكافؤ الفرص، تجديد الدماء في المشهد السمعي البصري، وتشجيع الكفاءات الصاعدة.
لكن ما إن تُنشر النتائج حتى يتكرر المشهد نفسه: نفس الأسماء، نفس الشركات، ونفس الدائرة المغلقة التي لا تنفكّ تدور حول ذاتها، وكأن الزمن لا يتحرك إلا في اتجاه واحد.

الواجهة البراقة والواقع الغامض

من الناحية القانونية، تمثل طلبات العروض أداة نبيلة لتنظيم العلاقة بين القنوات وشركات الإنتاج.
لكن في الممارسة، تحولت إلى آلية إدارية غامضة، تُستعمل لتبرير اختيارات ضيقة لا تخضع للوضوح ولا للتداول المهني.
فأين تُنشر معايير الانتقاء؟ وأين التقارير التي تبرر فوز هذا المشروع دون ذاك؟
لا أحد يعرف. وما لا يعرفه الناس، غالباً ما يكون أرضاً خصبة للريبة والشكّ.

في ظل هذا الغموض، أصبحت العملية أقرب إلى طقس مغلق منه إلى منافسة مفتوحة.
كل دورة تكرّس منطق “المعروفين” الذين يفوزون، و“الآخرين” الذين يُكتفى بتقديم الشكر لهم على المشاركة.

من غياب العدالة إلى انكماش السوق

حين تُقصى الشركات الجديدة والمبدعون الشباب، يتقلص الأفق ويختنق السوق.
نفس المخرجين، نفس الكتّاب، نفس الممثلين، نفس الرؤية البصرية…
وما النتيجة؟ أعمال متشابهة حتى في أخطائها، بلا جرأة، بلا مغامرة، لأن من يحتكر الإنتاج لا يخاف من فقدان الفرصة.
كيف ننتظر من صناعةٍ أن تتطور وهي تُدار بعقلية “من يملك العلاقات، يملك الشاشة”؟

العدالة ليست شعاراً بل شرطاً للحياة الفنية.
حين يغيب تكافؤ الفرص، لا تتضرر الشركات فقط، بل يتضرر الإبداع الوطني بأكمله، ويُحرم الجمهور من تنوع الأصوات والأساليب.

مفارقة الدعم السينمائي

المفارقة أن المركز السينمائي المغربي، رغم كل ما يُقال عنه، يقدم نموذجاً أوضح في إدارة الدعم العمومي.
فهو ينشر لوائح المستفيدين، يحدد آجال الإنجاز، ويمنع الشركات التي لم تنفذ مشاريعها من الترشح مجدداً.
بمعنى أن هناك على الأقل أثراً للشفافية والمحاسبة.
فلماذا لا تسير قنواتنا العمومية على النهج نفسه وهي تتعامل مع أموال دافعي الضرائب؟

هل يعقل أن تبقى مشاريع فازت بطلبات عروض حبيسة الرفوف لسنوات دون مساءلة؟
وأن تتقدم نفس الشركة مجدداً وتُقبل، وكأن شيئاً لم يكن؟
هذا خلل لا يمكن تفسيره إلا بغياب الإرادة في التغيير، أو بتواطؤ صامت يخشى أن يُكسر النظام المريح القائم.

حين يغيب الضوء عن المواهب

في كل دورة، تظهر عشرات الشركات الجديدة تحمل طموحاً وفكراً مختلفاً، لكنها تُواجه بجدار من التجاهل،لا لأنها ضعيفة، بل لأنها ليست من دائرة النفوذ المعتادة، هؤلاء هم ضحايا “النظام غير المكتوب” الذي يحكم الحقل السمعي البصري اليوم، وحين يُغلق الباب أمام الجديد، يُغلق معه باب الأمل في صناعة حقيقية متجددة،لا يمكن أن تتطور الصورة المغربية إذا ظلّ من يملك الكاميرا هو نفسه من يوزع الفرص ، نحو أفق من الشفافية والمساءلة

الإصلاح لا يحتاج معجزة،يحتاج فقط إلى قرارات بسيطة:
نشر لوائح المشاركين والفائزين، وتقديم كيفية الاختيار ،تحديد آجال صارمة للتنفيذ، منع تراكم المشاريع في يد شركة واحدة، وإشراك الهيئات المهنية المستقلة في تقييم العروض.
بهذا فقط يمكننا أن نعيد الثقة إلى المسطرة، وأن نعيد الاعتبار لمبدعين وطنيين تم إقصاؤهم لا لعجزٍ مهني، بل لغياب العدالة.

على اي طلبات العروض ليست هي المشكل، بل العقلية التي تديرها.
حين تتحول المساطر الإدارية إلى جدران تحجب الضوء، يفقد الفن معناه، ويفقد التلفزيون دوره كمجال للتعبير الجماعي.
لقد آن الأوان لأن نكسر هذه الدائرة المغلقة، وأن نعيد فتح النوافذ أمام جيل جديد من المبدعين، لأن من دون تداولٍ في الفرص، لا يمكن أن يكون هناك تجديد في الصورة ولا في المعنى

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.