الكارح أبو سالم Cap24 –
لم يكن مساء استقبال المنتخب المغربي لأقل من 20 سنة حدثًا عاديًا. كان موعدًا مع التاريخ، وموكبًا للفرح الوطني بعد إنجازٍ غير مسبوق جعل العالم ينحني إعجابًا لجيلٍ شاب رفع الراية المغربية في سماء كرة القدم العالمية، لكن بينما كانت الشوارع تموج بالمشاعر، وتتعالى الزغاريد في البيوت والساحات، خانت الصورة لحظة الفخر.

القناة الأولى والرياضية، اللتان تُمثلان واجهة الإعلام العمومي، لم تُحسنا نهائياً كما السابق إبان المنتخب الوطني ، التقاط حرارة اللحظة ولا ترجمة عمق الانتماء. فبدت التغطية التلفزيونية باهتة، مرتبكة، وكأنها خارج السياق، لقطات غير منسجمة، زوايا تصوير غير مدروسة، إخراج بلا روح، وبثّ لا يرقى إلى حجم المناسبة ولا إلى مستوى تطلعات المغاربة الذين انتظروا صورة تحفظ ذاكرة وطنٍ يفرح. ما كان الجمهور ينتظره بسيط في جوهره: أن يرى دموع الفرح وابتسامات الأطفال، ووجوه الأبطال وسط زغاريد الأمهات وكان يريد كاميرا ترى ما يراه الشعب، وعدسة تسمع نبض الملايين التي تهتف باسم المغرب، لكن الإخراج الفاشل ، والنقل في هذه المناسبة التاريخية أثبتا أن القنوات العمومية ما زالت حبيسة منطقٍ إداريٍّ عقيم ، يفتقد الحسّ الفني والقدرة على قراءة اللحظة،فالصورة ليست مجرد نقل، بل بناء شعوري يترجم الفرح والانتماء و حكاية تُروى بعدسة مبدع ، لا بكاميرا موظف عمومي . وحين تتحول الكاميرا إلى آلة بيروقراطية فإنها تنقل أفكار العقلية المتحجرة التي تتحكم في الخلف بذوق يفقد الحدث روحه، ويتحوّل الإنجاز المبهر إلى مادة أقل من عادية بلا حرارة ولا عمق.

المفارقة المؤلمة أن ما التقطته المواقع الإخبارية الالكترونية بمعدات جد بسيطة ، وما وثقه الجمهور بهواتفه كان أكثر صدقًا وتأثيرًا من القنوات الرسمية ، لقطات بسيطة التقطها المواطنون من الشوارع والساحات نبضت بالحياة والعفوية والانتماء، فيما بدت صور القناتين العموميتين جامدة، خالية من الإحساس، رغم ضخامة الإمكانيات التقنية والمالية والبشرية ،أي مفارقةٍ هذه حين تنتصر العفوية على مؤسسةٍ تُدار بملايين الدراهم وتملك أحدث التجهيزات؟

حين تنقل القنوات الرسمية حدثًا وطنيًا، فهي لا توثّق فقط، بل تصوغ ذاكرةً جماعية ستعيش في وجدان الأجيال القادمة، ألا يدرك القائمون على الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة أن الصورة التي تُبثّ اليوم ستصبح غدًا وثيقةً عن مغرب هذا العصر؟ فهل نقبل أن تكون وثيقتنا مشوشة؟
ما نحتاجه ليس مزيدًا من الكاميرات، بل نحتاج إلى مخرجين يتقنون لغة الصورة لا لغة الإدارة، وطواقم تقنية تتقن الإبداع تحت الضغط، فالبث المباشر ليس مهمة تقنية، بل عمل فني يستحضر الجمال قبل أن يُقدّم المعلومة، رحم الله أسماء في الماضي قدمت المعجزات باقل مما تملكه الشركة اليوم ولنا في المدير السابق للتلفزة ” اليساري ” إسوة حسنة في التدبيروالصرامة والحكامة وهو الرجل الذي دخل لايفقه شيئا في الاعلام وخرج منه من كبار العارفين ، والعامل الطريشة والراحل ” عاشور” ، وأسماء اخرى لاتقل أهمية عنهم، لكن ما نعيشه اليوم امام الانتاج المهول للنكسات مجرد هدر للمال ومحاصرة لكفاءات الاطر التقنية والمنتجة المعتقلة وراء التعليمات المجحفة السادية التي لم تذقها دار البريهي حتى أيام البصري عندما استوزر على حقيبة الإعلام ..
المغرب يستحق شاشة تُبهر العالم، والمغرب الذي أدهش العالم في الملاعب، يستحق أن يُدهشه أيضًا في الصورة، فقد انتهى زمن الارتجال، وزمن التساهل مع البث الرديء، لأن في عصر الذكاء الاصطناعي وسرعة المحتوى، لم يعد الجمهور يُخدع بالشعارات.
إما أن تكون الصورة في مستوى الوطن، أو يُترك الوطن بلا صورة.

