المغرب يسير بسرعتين عدا الإعلام …

0

الكارح أبو سالم :  Cap24 

لايختلف إثنان بالمملكة المغربية أن هناك ما يشبه المفارقة المؤلمة في المشهد المغربي الراهن: بلد يحقق قفزات تنموية لافتة في البنية والاقتصاد والدبلوماسية،وسجال اجتماعي خلق حركات احتجاجية مختلفة احدتث صخبا متباينا ، وهو ما تنبه له جلالة الملك ودفعه للقول بان المغرب يمشي بسرعتين ..  بينما صوته الإعلامي ما زال يبحث عن نغمةٍ واحدةٍ تليق بالإيقاع الوطني.
فكلما تقدّم المغرب في الميدان، تخلف إعلامه عن مجاراة المسير، كمن يلهث خلف ظله، أو كمن يرى الصورة ولا يمتلك الكلمة التي تصفها.
لقد قيل الكثير عن مشروع الهولدينغ الإعلامي الوطني، ذلك الكيان المنتظر الذي يفترض أن يوحّد البيت، وينسّق الجهود، ويعيد للإعلام المغربي قدرته على صياغة خطابه بنفسه، لا عبر وسطاء ولا عبر ردود أفعال.
لكن هذا المشروع، الذي رُوّج له كخطوة إصلاحية كبرى، ما زال يسير بخطى السلحفاة، وكأننا نخاف من ولادة مؤسسة قادرة على جمع الشتات وتنظيم الفوضى.
بينما العالم من حولنا لا ينتظر، بل يركض بسرعة الضوء في فضاء رقمي لا يرحم المتأخرين.
في غياب هذا الإطار الجامع، تُركت الساحة لمنصات التواصل الاجتماعي تُملي إيقاعها على الوعي العام، وتتحكم في صناعة الرأي والمزاج.
هناك، في عوالم “البرودكاست”، تُصاغ الروايات الموازية، وتُمرَّر الخطابات المشبوهة، وتُبنى أجندات غير وطنية تتسلل إلى العقول في غياب الصوت الوطني القادر على فرز الصالح من الطالح.
وهكذا، يتحول المواطن إلى متلقٍّ مرتبك، تُغرقه المتناقضات، ويضيع منه المعنى، لأن من يفترض أن يقوده نحو الحقيقة غائب أو منشغل بصراعاته الداخلية.
إننا اليوم أمام فراغ إعلامي استراتيجي أخطر مما يبدو.
فحين يتأخر الإعلام في تأطير النقاش الوطني، تملأ الفراغ أصوات لا تُشبهنا، وأحياناً لا تريد لنا خيراً.
وحين تتعطل المؤسسات في تحديث أدواتها ولغتها، تتكفل العشوائية الرقمية بتشكيل الوعي العام على مقاس المصالح العابرة للحدود.
هنا بالضبط تكمن الحاجة إلى إعلام وطني جامع، عقلاني، ذي سيادة رقمية وخطاب مؤسسي متوازن.

ليس المطلوب من الإعلام أن يصفّق، بل أن يشرح، وأن يربط بين ما يُنجز في الواقع وما يُروى في الوعي.
ليس المطلوب منه أن يكون أداة دعائية، بل جسراً بين الدولة ومواطنيها، يحمي الصورة من التشويه والرسالة من التحريف.
إعلام وطني يُعيد الثقة في المعلومة، ويعيد الاعتبار للخبر الصادق، ويمنح للإنجاز الوطني صوته المستحق.

لكن ما يؤخر هذا الحلم هو أن ملف الإعلام ما زال رهين حسابات السياسة وتقاطعات النفوذ الاقتصادي، وكأن الحقيقة تُدار في الكواليس لا في وضح النهار.
وهذا وحده كافٍ ليفسر لماذا ما زال الهولدينغ مجرد فكرة تائهة بين التصريحات والانتظارات.

لقد آن الأوان لأن نتحرر من هذا البطء القاتل.
فالإعلام ليس مكملاً لمؤسسات الدولة، بل ركيزة من ركائز سيادتها.
وبه فقط يمكن للمغرب أن يحمي روايته من التزييف، وصورته من التشويه، ووحدته من الاختراق.

فمن لا يملك منظومته الإعلامية، سيتحول عاجلاً أم آجلاً إلى موضوع في رواية غيره.
ومن لا يروِ قصته، سيعيش داخل قصة لا تشبهه.

ولهذا، فإن الرهان الحقيقي اليوم ليس على من يتكلم أكثر، بل على من يملك الكلمة الأصدق والأوضح.
كفى انتظاراً.
فالوطن بحاجة إلى إعلامه الآن، لا غداً، إعلام بحجم المغرب رصين في خطابه، متبصر في رؤيته، وجرئ في الدفاع عن الحقيقة حين يصمت الجميع.. هنا فقط يمكن أن نوازي بين السرعتين ..

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.