لم تكن جنازة أحمد الزفزافي، والد المعتقل ناصر الزفزافي، مجرد لحظة وداع عادية لرجل فارق الحياة بعد صراع مع المرض، بل كانت، في أعين كثيرين، مناسبة نادرة كشفت عن تحولات صامتة، ورسائل لم تُنطق لكنها كانت حاضرة في تفاصيل المشهد.
في حي يعقوب المنصور بالحسيمة، اجتمعت الجموع من كل فج، وامتزجت مشاعر الحزن على الفقد بنداءات خافتة وأخرى صريحة” الحرية لناصر” الذي كان هو محور المشهد، حين خطى بين الناس دون أن تحجبه الحواجز، ولا أن يُحاصر بالسلاسل.
حضوره كان هادئًا، لكنه أحدث دويا كبيرا في النفوس، حيث لم يصرخ، لم يثر، لم يهاجم، بل تحدث بنبرة جمعت بين الشكر والرسالة، حين أشار إلى “جهود مندوب السجون” في تعامله والسماح له بحضور جنازة والده، مُذكّرا بوحدة الوطن وأولوية مصلحته.
اللافت أن ساكنة الحسيمة لم تتعامل مع هذه اللحظة كحدث عابر، بل استقبلتها بما يشبه الإجماع الشعبي، وذلك بمطالبة جديدة، صريحة، كتمثلة في إطلاق سراح من تبقى خلف القضبان، ليس من باب التحدي، بل من باب الانصاف، والرغبة في بداية جديدة، وكأن مدينة الحسيمة، بكل ما فيها من ذاكرة ووجع، تقول: آن الأوان لإغلاق هذه الصفحة.
الذين راقبوا الحدث، سواء من عين المكان أو من خلف الشاشات، قرأوا المشهد كأنه اختبار صغير لنضج الجميع “الدولة حين تسمح، والمعتقل حين يتصرف برصانة، والمجتمع حين يطالب بلا ضجيج” وكأن الكل يقول بلغة واحدة: المصالحة ليست ترفًا سياسيًا، بل ضرورة إنسانية.
حضور ناصر، بهذا الشكل، أعاد الأمل بأن الأمور قابلة للتغيير، وهو ما يطرح سؤالا واحدا مردد بقوة : هل تكون هذه بداية النهاية؟ أم أنها مجرد لحظة استثناء في سياق ممتد؟

