رغم المبادرات المتعددة التي أطلقتها المملكة المغربية لتنظيم حركة الهجرة، لا يزال البلد يشكل إحدى البؤر الرئيسية لانطلاق المهاجرين نحو أوروبا، في مشهد يعكس تعقيد الظاهرة وتشابك أبعادها الاجتماعية والاقتصادية والأمنية.
تقرير حديث للمنظمة الدولية للهجرة صنّف المغرب في المرتبة الثامنة عشرة عالميًا كدولة مصدرة للهجرة، والثانية على صعيد القارة الإفريقية، وهو تصنيف يحمل دلالات عميقة عن مكانة المملكة داخل شبكة الهجرة الإقليمية والدولية.
موقع استراتيجي وحدود مفتوحة على الحلم الأوروبي
يُعدّ الموقع الجغرافي للمغرب أحد أبرز العوامل التي تجذب المهاجرين، سواء من الداخل أو من دول إفريقيا جنوب الصحراء، حيث يشكل نقطة عبور أساسية نحو الضفة الشمالية. ومع كل عام، يتجدد المشهد ذاته: قوارب محملة باليائسين، وطرق محفوفة بالموت، وحدود لا ترحم.
ففي عام 2022 وحده، لقي حوالي 2800 شخص مصرعهم وهم يحاولون بلوغ أوروبا انطلاقًا من الأراضي المغربية، في مأساة تتكرر رغم التحذيرات ومضاعفة الجهود الرقابية.
تحويلات المهاجرين… مورد ثابت في اقتصاد هش
ورغم هذه الصورة القاتمة، فإن الجالية المغربية بالخارج تُعتبر من أبرز مصادر دعم الاقتصاد الوطني، حيث بلغت تحويلاتها المالية أزيد من 11 مليار دولار، وهو ما يعادل نحو 8% من الناتج الداخلي الخام، مما يجعلها موردا استراتيجيا يعادل في قيمته عائدات بعض القطاعات الإنتاجية الكبرى.
ويشتغل معظم هؤلاء المهاجرين في مجالات تعتمد عليها اقتصادات الدول المستقبلة، مثل الفلاحة والبناء والخدمات، ما يؤكد أن الهجرة ليست فقط ظاهرة أمنية أو إنسانية، بل أيضًا رافعة اقتصادية حيوية.
هواجس شبابية وأحلام معلقة
استطلاع حديث أنجزه “أفروبارومتر” عام 2025 كشف أن 28% من الشباب المغاربة ينوون الهجرة، وهو رقم يعكس حجم الإحباط الاجتماعي وغياب الأفق الاقتصادي لفئات واسعة من الجيل الجديد، خاصة في المناطق المهمّشة.
رقابة متزايدة… دون تأثير جوهري
ورغم تكثيف عمليات المراقبة والردع، فإن أرقام سنة 2024 تشير إلى اعتراض أكثر من 78 ألف محاولة للهجرة غير النظامية، ما يدل على أن حجم التدفقات لا يزال كبيرًا، وأن المقاربة الأمنية وحدها غير كافية.
النزوح الداخلي… وجه آخر للهشاشة
من جهة أخرى، يعيش المغرب أيضًا موجات من النزوح الداخلي، كما حدث سنة 2022 حين اضطر حوالي 9500 شخص إلى مغادرة منازلهم بسبب حرائق الغابات، في تجسيد حي للأثر المتصاعد للتغيرات المناخية.
وفي الوقت ذاته، يستضيف المغرب ما يقرب من 148 ألف مهاجر أجنبي تتركز أغلبهم في جهتي الدار البيضاء والرباط، ما يفرض تحديات جديدة على سياسات الإدماج، والخدمات العمومية، والتعايش المشترك.
