لم تعد شحنات المساعدات التي تصل إلى غزة تحمل الأمل وحده، بل باتت تثير الرعب، فقد أعلنت الجهات الرسمية في القطاع عن اكتشاف حبوب مخدرة داخل أكياس طحين وُزعت ضمن ما يفترض أنه دعم إنساني، الأمر الذي دفع السلطات إلى توجيه اتهامات مباشرة لإسرائيل والولايات المتحدة باستخدام سلاح “السموم البيضاء” ضمن حرب ناعمة تستهدف المدنيين من الداخل.
الحبوب التي عُثر عليها – وهي من نوع “أوكسيكودون” المعروف بقوته التخديرية العالية – وُجدت داخل أكياس طحين قادمة عبر قنوات غير خاضعة لرقابة أممية.
وتشير المعطيات إلى أن هذه المواد قد تكون مذابة مسبقًا داخل الطحين نفسه، في ما وصفته سلطات غزة بـ”جريمة منظمة” تستهدف الصحة العامة بشكل متعمد، وسط حصار مطبق يمنع دخول الأدوية والغذاء بشكل منتظم.
في السياق ذاته، سلطت دراسة أكاديمية دولية الضوء على الكارثة المستمرة في القطاع، مؤكدة أن الحرب على غزة تُعد من أكثر النزاعات دموية في القرن الحالي.
ووفقًا للباحث مايكل سباغات، الذي قاد فريقًا دوليًا أجرى مسحًا لعائلات غزية، فإن عدد الضحايا منذ 7 أكتوبر 2023 قد يقترب من 100 ألف، منهم 75 ألفًا قضوا نتيجة القصف، فيما حصد الجوع والمرض والبرد أرواح الآلاف الآخرين.
هذه الأرقام، التي كشفت عنها صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية، تشير إلى أن 4% من سكان غزة قد فقدوا حياتهم في أقل من عام، وهي نسبة لم تُسجل في أي حرب معاصرة منذ الحرب العالمية الثانية، خاصة مع الارتفاع اللافت لنسبة النساء والأطفال ضمن الضحايا.
في المقابل، طالبت سلطات غزة بوقف فوري لتوزيع المساعدات عبر أي جهة لا تتبع للمنظمات الدولية، معتبرة أن استمرار الاعتماد على ما سمّته “المعابر الموجّهة” يعرض السكان لخطر مزدوج: الموت المباشر بالقنابل، أو السقوط في فخ السمّ ببطء عبر الطحين الملوّث.
ومع غياب أي أفق لانفراجة سياسية أو إنسانية، يبقى سكان غزة عالقين في دوامة القصف والخذلان، بين جدران من الحصار، وأكياس من الطحين قد تخفي بداخلها ما هو أسوأ من الجوع نفسه.

