في لحظة حاسمة من النقاش الدولي حول سبل القضاء على ظاهرة عمل الأطفال، قدم المغرب نفسه كنموذج عملي لبلد استطاع تحويل الالتزام السياسي إلى نتائج ملموسة، حيث أعلن وزير الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والتشغيل والكفاءات، يونس السكوري، أن المملكة نجحت في تقليص نسب تشغيل الأطفال بنسبة 55% منذ عام 2017، وهو تراجع يصفه المتابعون بأنه ثمرة إصلاحات متراكمة وجهود تنسيقية بين مختلف المتدخلين.
السكوري، الذي كان يتحدث في جنيف ضمن فعالية رفيعة المستوى نُظّمت بمناسبة اليوم العالمي لمكافحة عمل الأطفال، أبرز أن ما تحقق في المغرب يتجاوز البُعد الوطني، ويؤهّل التجربة لأن تُطرح كنموذج عالمي يمكن الاستفادة منه في سياقات دولية متعددة.
وحسب الأرقام الرسمية التي قدمها، فإن عدد الأطفال المنخرطين في أنشطة اقتصادية بلغ خلال سنة 2023 ما يقارب 110 آلاف طفل من أصل 7.8 ملايين طفل تتراوح أعمارهم بين 7 و17 سنة، أي ما يعادل 1.4% من إجمالي هذه الفئة.، حيث يُلاحظ أن 60% منهم يشتغلون في إطار أسرهم، خاصة في العالم القروي، ما يطرح تحديات مرتبطة بتعقيد تعريف وتشخيص الظاهرة.
هذا التراجع المهم، وفق الوزير، تحقق بفضل مجموعة من السياسات المتكاملة، في مقدمتها توسيع الحماية الاجتماعية لتشمل ملايين الأطفال، ضمن الورش الملكي الكبير الذي أطلق لتقليص الهشاشة، إلى جانب إطلاق برامج لتعميم التعليم الأولي بتعاون مع منظمات مدنية، وفق مقاربة تأخذ بعين الاعتبار الواقع المجتمعي المحلي.
السكوري أكد كذلك أن المغرب لا ينظر إلى هذه المعركة من زاوية داخلية فحسب، بل يطمح إلى نقل تجربته إلى محافل أوسع، خاصة أن المملكة ستحتضن في فبراير 2026 الدورة السادسة للمؤتمر الدولي حول عمل الأطفال، وهي محطة يأمل من خلالها المسؤولون أن تُشكّل انطلاقة جديدة نحو تعبئة عالمية أكثر فعالية.
وفي معرض حديثه، توقف الوزير عند عنصر الحكامة كرافعة أساسية، مشيراً إلى تعزيز آليات التفتيش والمراقبة بتنسيق مع الجهاز القضائي، فضلاً عن ملاءمة الإطار القانوني المغربي مع الاتفاقيات والمعايير الدولية المعتمدة في هذا المجال.
وفي ختام مداخلته، شدد السكوري على أهمية بناء تحالفات دولية موسعة، وتكثيف تبادل الخبرات والممارسات الفضلى، داعياً إلى الخروج من النماذج النمطية، واعتماد حلول مرنة ومتكيفة مع السياقات الاجتماعية والاقتصادية المختلفة.
يذكر أن اللقاء الدولي، الذي نُظم على هامش الدورة 113 لمؤتمر العمل الدولي، شهد إطلاق تقرير مشترك بين منظمة العمل الدولية واليونيسيف يرصد أحدث الاتجاهات العالمية في مجال عمل الأطفال، وضم مشاركات رفيعة من أمريكا اللاتينية وآسيا وأوروبا، إضافة إلى ممثلين عن منظمات أممية وشركاء اجتماعيين.