في قرار يعكس تحوّلًا لافتًا في المواقف المحلية الأوروبية تجاه إسرائيل، قررت بلدية برشلونة رسميًا قطع علاقاتها مع الحكومة الإسرائيلية وتعليق اتفاقية التوأمة الموقعة مع بلدية تل أبيب منذ عام 1998، في تحرك رمزي لكنه ثقيل بالدلالات السياسية والأخلاقية.
القرار الذي مرّ بأغلبية داخل مجلس المدينة، وبدعم الحزب الاشتراكي وعدد من الأحزاب اليسارية والانفصالية، جاء متأثرًا بسياق دموي متصاعد في غزة، حيث خلفت العمليات العسكرية الإسرائيلية خلال العام ونصف الأخير آلاف الضحايا، غالبيتهم من المدنيين، ما دفع قادة محليين في كتالونيا إلى اعتبار استمرار العلاقات “أمرًا غير أخلاقي وغير قابل للاستمرار”.
جاومي كولبوني، العمدة الاشتراكي لبرشلونة، اعتبر أن حجم المعاناة الإنسانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة لم يعد يترك مجالًا لـ”التطبيع المؤسسي”، مؤكدًا أن بلديته ستتوقف عن التعامل مع أي جهة رسمية إسرائيلية، كما ستوصي بمنع مشاركة شركات إسرائيلية مرتبطة بالتصنيع العسكري في المعارض الكبرى للمدينة.
في خلفية هذا القرار، تتحرك ديناميات سياسية أكثر تعقيدًا على المستوى الوطني، ففي مدريد، لا تزال الحكومة الإسبانية، بقيادة بيدرو سانشيز، تُواجه عاصفة داخلية على خلفية صفقة لشراء ذخائر من شركة إسرائيلية، رغم تعهدها العلني بعدم التورط في تجارة السلاح مع تل أبيب بعد حرب أكتوبر 2023.
الصفقة، التي وُقعت في فبراير 2024 مع شركة “غارديان” لشراء ذخيرة 9 ملم لصالح الحرس المدني، فجّرت خلافًا داخل الائتلاف الحاكم، خصوصًا من جانب تحالف “سومار”، الذي عبّر عن رفضه القاطع لهذه الخطوة، واعتبرها تقويضًا لمصداقية الحكومة في دعم القضية الفلسطينية.
مصادر داخل وزارة الداخلية بررت استمرار الصفقة بـ”صعوبات قانونية في إلغائها بعد تقدم الإجراءات”، وهو ما اعتبرته المعارضة “ذريعة إدارية لإخفاء الانسياق خلف المصالح الأمنية والعسكرية”.
المفارقة أن هذا النوع من التباين بين المستوى المحلي والمركزي في إسبانيا يُسلّط الضوء على الفجوة بين إرادة المجالس البلدية، المتصلة أكثر بنبض الشارع، ومواقف الدولة المرتبطة بموازنات القوة والضغوط الدولية.
برشلونة، كما سبق لها أن فعلت عام 2023 في عهد آدا كولاو، ترفض أن تكون واجهة رمزية لتطبيع بات مرفوضًا أخلاقيًا من شريحة واسعة من الإسبان، خصوصًا بعد الاعتراف الرسمي بدولة فلسطين من قبل الحكومة في مايو 2024.
الرسالة التي تبعثها برشلونة اليوم، لا تقتصر على التضامن مع الفلسطينيين، بل تمتد لتحرج مدريد، وتضعها أمام اختبار شفافيتها وصدقيتها في التعاطي مع واحدة من أكثر القضايا حساسية على الساحة الدولية.