في خطوة اعتبرها كثيرون تصعيدًا خطيرًا ضد المعارضين السياسيين، أصدرت المحكمة المختصة في قضايا الإرهاب بتونس أحكامًا قاسية بالسجن وصلت إلى 66 سنة في حق عدد من أبرز السياسيين والمحامين ورجال الأعمال، في القضية المعروفة إعلاميًا بملف “التآمر على أمن الدولة”، التي تعود أطوارها إلى أوائل 2023.
اللافت أن المحاكمة، التي استمرت لأشهر في ظروف وُصفت بأنها ضبابية، اختُتمت بجلسة مغلقة عُقدت عن بُعد، دون حضور الصحفيين أو عائلات المتهمين، ما أثار موجة احتجاجات من داخل قاعة المحكمة ومن خارجها، وسط اتهامات للسلطة القضائية بتوظيف القضاء لتصفية خصوم سياسيين.
وتضمنت لائحة التهم الموجهة للمعتقلين اتهامات ثقيلة تمس بأمن الدولة الداخلي والخارجي، والانخراط في تنظيمات إرهابية، والتحريض على الفوضى، والمس بالأمن الغذائي والبيئي.
لكن السياق الذي جاءت فيه هذه المحاكمة، والسرية التي أحاطت بها، أعادا طرح السؤال حول مدى استقلالية القضاء التونسي في ظل تصاعد القبضة الأمنية على الحياة السياسية.
من بين المحكوم عليهم، أسماء بارزة كعصام الشابي، وغازي الشواشي، وجوهر بن مبارك، وعبد الحميد الجلاصي، وكلهم معروفون بمواقفهم المعارضة لسياسات الرئيس قيس سعيّد.

وقد اتفقت شهادات المحامين وأعضاء هيئة الدفاع على أن المحاكمة افتقرت لأبسط شروط العلنية والعدالة، مؤكدين أن الجلسة الأخيرة عُقدت دون تمكين المتهمين من المثول الفعلي أمام هيئة المحكمة.
هذا الانغلاق أثار حفيظة المجتمع المدني التونسي، حيث نظم الصحفيون وقفة احتجاجية أمام المحكمة للتنديد بمنعهم من التغطية، في حين خرجت عائلات الموقوفين تطالب بالإفراج عن ذويها، ورفض تحويل القضاء إلى أداة لتصفية الحسابات السياسية.
النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين رأت في الخطوة “انتهاكًا ممنهجًا لحرية الإعلام وضربًا للحق في المعلومة”، معتبرة أن ما جرى يعكس انحدارًا خطيرًا في مستوى الشفافية والديمقراطية.
في المقابل، لم يصدر عن الحكومة أي تعليق رسمي يوضح خلفيات السرية المحيطة بالجلسة، فيما اكتفى القضاء بالقول إن عقد المحاكمة عن بعد تم “لدواعٍ أمنية”، في إشارة إلى إمكانية تعرض الجلسات لمخاطر.
وقد أثارت الأحكام كذلك ردود فعل غاضبة في الأوساط الإعلامية العربية، حيث علّق الإعلامي التونسي محمد كريشان على الأمر بوصفه “جنونًا سياسيًا سيدفع التونسيون ثمنه لعقود”، مشددًا على أن ما صدر ليس سوى تجسيد لـ”عدالة مُدجّنة لا تراعي الحد الأدنى من النزاهة”، على حد قوله.