بقلم لحسن الجيت
الكلب بفطرته جبل على أن يكون وفيا لأهل البيت صغيرهم وكبيرهم. لا يخلف الوعد ولا الموعد. إن أطعمته فهو من الشاكرين لك ومن الحامدبن، وإن قصرت في حقه يبقى حاملا لك نفس الود ولن يتنكر لك ولا لعشرتك أمد الدهر، يحميك ويفديك عند الشدائد. لا يعرف أحدا سواك أنت مولاه وأنت سيده. ولن يقلب عليك وجهه ولن يساومك بأي كان مهما كان غيرك. فهو أصلا ليس في قاموسه، كما في قاموس البشر، منطق الجاه أو التفاوتات الطبقية والاجتماعية. لكن بالنسبة لهذا الحيوان لا يعنيه في شيء أن تكون ابن من شئت أو تنحدر من مجتمع مخملي. وهو لا يبصبص ولا يعترف إلا بصاحبه وبذويه ولو كانوا في عوز.
هذا الدي نقول عنه “بالكلب” ونستعين بهذا المصطلح عندما نريد أن نستخف ونهين شخصا ما ، إننا ونحن في ذلك نعبر عن أنفسنا المريضة وعن تطاولنا على هذا الكائن. وفي واقع الأمر لا نستصغره بل نحط من قيمتنا وننزلق إلى مدارك تشكك في آدميتنا ولا ندري من هو الإنسان ومن هو الحيوان من جراء نرجسية مغشوشة وعجرفةتعبر عن جهلنا المطلق لمعايير التصنيف والتقييم.
ومادام العديد منا على هذا الحال حيث الانكسار في القيم وخلط في المفاهيم وبات الخائن لا يرف له جفن بالخروج علانية واشتغاله على أجندة غير وطنية ، تبقى رسالة دلك الكلب في وفائها وإخلاصها خير ما يمكن أن نسترشد به في مواجهة أعداء هذا الوطن من الداخل. ونكشف للدهماء من بسطاء الناس عن مخططات من سولت لهم أنفسهم الخبيثة أن يتواطؤوا مع أعذاء الوطن في المنطقة.
رسالة الكلب على بساطتها هي أقرب إلى الفهم والاستيعاب. وعموم المغاربة أذكياء بالفطرة وطنيون من أول خلية على الجلد إلى أعمق خلايا النخاع. متضامنون وأوفياء لبعضهم،حبهم للوطن يعبر عنه حاضرهم وتاريخ أجدادهم . فالمسيرة الخضراء كانت النموذج وزلزال الحوز كان محطة للتضامن وعنوانا بارزا للوطنية الصادقة وللعفوية التي لا تتخللها حسابات ضيقة.
العقائديون منا الغارقون في متاهات الجمع والطرح وفي الحسابات الكيدية، ونخص بالذكر الإسلامويون والقومجيون والتابعون التابعون من اليساريين، ما أحوجهم إلى رسالة هذا الكلب الذي عاشرته وعاشرني بعد قطيعة دامت أربعة عقود فوجدته حافظا للود فيما خجلت من نفسي أمام الموقف الشهم لهذا الكائن.
لقد اعتذرت له بعد طول الغياب. وقال أنتم البشر أعذاركم تفوق زلاتكم، لكم ان تتعلموا منا الدرس نحن الكلاب. لقد سبق لك أن عاشرت أبي رحمة الله عليه وهو الذي كلفني قبل مماته أن أجدد لك رسالة الوفاء والإخلاص وأننا نحن الكلاب على العهد باقون لنحمي البيت وأهله، أما انتم البشر فيكم من يتنكر للوطن الذي تتفيؤون به وتتنفسون هواءه وتنعمون في نعيمه، لكن بجرة قلم أو بفلس واحد سرعان ما تتنكرون لخيراته وتتحولون إلى مأجورين على حساب الوطن.
وها أنا اليوم قد جئتك كما جئتني بعد عودتك إلي وإلى الطبيعة لنجدد العهد معك بدون مقابل لأننا نحن الكلاب لا نبحث عن المقابل. خصالنا ليست كخصال بعضكم ولعلها رسالة أدعوك إلى نقلها لمن يهمه الأمر بالطريقة التي تليق بكم أيها البشر. نباحنا نحمل في طياته رسائل ولايهمني أن كنتم تفهمون لغتنا أم لا، المهم بالنسبة لي أن تعتدوا بأفعالنا. أما أفعالكم فهي غير قابلة للقياس.
بينما هذا الكلب وهو يتحدث لي وجذت في حديثه صدقية لا متناهية. دمدمت بداخلي وحاولت أن ألملم ما تبقى من أنفاسي لكي أرد فعجزت أمام قوة منطقه. فما حال بيني وبين ذلك الرد هي سوءات من يفترض فيهم شركائي في الوطن، فمنهم من يتشدق بالدين، فهل للكلاب دين حتى يولوا الوفاء حقه؟، ومنهم من يتمسح في القومجية، فهل في الكلاب ما هو قومجي حتى يتنصل لأصله؟ لا أعتقد ذلك، الكلب الأمريكي والفرنسي والروسي لهم لغة واحدة، ومنهم من اليساريين يشهد عنهم آخر ما أنجبوه لنا هو ذاك الذي يدعى “عزيز غالي” الذي يتوسط اليوم واسطة العقد في الخيانة بين الفومجي احمد ويحمان والاسلاموي عزيز هناوي.
إنها جماعة من الغوغائيين تقطعت بهم السبل يعيشون على الأوهام بمفاهيم ثبت على أرض الواقع أنها فاشلة مستهلكة. تماثلوا مع فكر عنصري وإقصائي ما إن رأى النور في عقر الدار حتى انهار. فشلت تجارب من احتلوا عقولهم في خمسينيات وستينيات القرن الماضي في عهد الناصرية والبعثية ومن ولاهما من الاتباع والنعاج. وإذا كان النموذج قد ولد ميتا فكيف يليق به أن تعاد له الروح ويتنفس في بيئة قائمة على ذلك التعدد الذي كتبه التاريخ ورسمته الجغرافية ودونه دستور المملكة على أن المغرب بلد إسلامي لغته العربية والأمازيغية وروافدها الافريقية والاندلسية والعبرية والمتوسطية. ومن يحاول أن يتجاوز هذا الواقع من خلال الركوب على قضايا لها أهلها إنما يكشف عن نواياه ومخططاته الخبيثة ضد الوطن والتي لا علاقة لها بالدفاع كما يزعمون عن القضية الفلسطينية أو مناهضة التطبيع. المستهدف بالأساس عند الإسلاميين والقومجيين واليساريين،هو ضرب المصالح الاستراتيجية للمغرب والباقي ليس سوى مطية. وعود على بدء أن في أخلاق الكلب حكمة وهي بلسم وعلاج للكلاب الضالة المسعورة.