الحرب الأوكرانية..الداهية بوتين يضرب أكثر من عصفور بحجر الطاقة
لازالت رحى الحرب تدور بين روسيا وأوكرانيا مخلفة أضرار كبيرة ليس فقط على مستوى أوكرانيا وبناها التحتية وعنصرها البشري, وإنما على مستوى العالم بأسره, تزيد حدتها مع ارتباط هذه البلدان باقتصادات عالمية لم تكد تشفى من آثار جائحة فيروس كورونا.
الكل كان يعرف مسبقا أسباب الدب الروسي في غزوه أوكرانيا, المتمثلة في سحب السلاح من الأوكران وقطع علاقاتهم العسكرية مع حلف شمال الأطلسي. ووضع حد لطموحات الشعب الاوكراني بالانضمام للمعسكر الغربي في أوروبا, تحقق له جزء منه عبر الإعلان عن ضم 4 مناطق في أوكرانيا. لتصبح جزءا من الأراضي الروسية, وهي مناطق لوغانسك ودونيتسك وزاباروجيا وخيرسون, حتى مع التنديد الدولي والعقوبات الاقتصادية التي حاول الغرب من خلالها شل بوتين وخططه للتراجع عن الحرب الأوكرانية.
عقوبات لم تفلح ربما في ثني الرئيس الروسي فلاديمر بوتين فيما يريد الوصول إليه, خاصة مع سلاح الغاز الذي تمتلكه روسيا, والذي شكل سلاحا ذو حدين بالنسبة للدول الأوربية, وجعلها في موقف لاتحسد عليه رغم إصرارها على تشديد العقوبات على روسيا, والمساهمة في الحرب الأوكرانية عبر مد هذه الأخيرة بالسلاح والعتاد لمواجهة هذه الحرب, التي لايعرف سقف زمني لها من أجل أن تتوقف.
عقوبات يحاول بوتين الالتفاف عليها بكل الطرق والوسائل, آخرها اقتراحه على نظيره التركي رجب طيب أردوغان إنشاء “مركز للغاز” في تركيا لتصديره نحو أوروبا، باعتبارها “الطريق الأكثر أمانا” في خطوة استغربها الكثيرون, رغم أنها تعبر عن عقل لداهية حرب وسياسة, حيث يتضح جليا أن بوتين يريد أن يضرب أكثر من عصفور بحجر وسلاح الغاز والطاقة الموجه إلى أوروبا, فكيف ذلك؟!
أولا: اقتراح بوتين أراد من خلاله توجيه ضربة موجعة للولايات المتحدة الأمريكية, التي تشار إليها أصابع الاتهام بتفجير خط أنابيب “نورد ستريم” التي كانت توصل الغاظ إلى أوروبا, إذ أنه عندما سيتم تصدير الغاز عن طريق تركيا التي تعتبر عضوا في حلف الناتو, لن تستطيع أمريكا حينها استعمال أي أعمال عدائية, أو حتى توقيف تصدير الغاز لأنه سيمر عبر تركيا.
ثانيا: أراد بوتين من خلال اقتراحه إبداء حسن النية للدول الأوروبية خاصة مع دخول فصل الشتاء, وتوقع أنه قد يكون قاسيا هذا العام في ظل معاناة هذه الدول من النقص الكبير في الطاقة, وتوجيه رسالة مشفرة مفادها “أنا على استعداد لتزويدكم بالغاز”, وسيأتيكم بشكل آمن عن طريق تركيا, ورمي طعم المصالح الخاصة في وجه الدول الأوروبية ما قد يجعل هذه الدول تتفكك, أو تواجه الولايات المتحدة باعتبار أنها المستفيدة من هذه الأزمة لأنها تبيع الغاز لأوروبا بثمن مرتفع ثلاث مرات.
ثالثا: الإقدام على خطوة التعاون ما بين روسيا وتركيا لأن أنقرة عضو في حلف الناتو, إذ يشكل هذا التوسع والتعاون الروسي التركي’ ضمانا لقيصر الروس, أن له حليف قوي داخل حلف الناتو, وبإمكانه التأثير في قراراته أو حتى عرقلة أي قرار موجه ضد روسيا.
رابعا: إذا ما نجح هذا التعاون بين كل من روسيا وتركيا فهذا يعني أن الهوة والخلاف بين واشنطن وأنقرة ستزداد, وبالتالي ضم تركيا إلى المحور الروسي الذي يضم الصين وإيران, وزعزعة قوة الولايات المتحدة في المنطقة, لا بل حتى في حلف الناتو خاصة مع طعم استفادة تركيا من الناحية الاقتصادية, إذا ما تم فعلا إنشاء هذا المركز وتصدير الغاز لأوروبا عبرها.
خامسا: وأخيرا أن يضمن الدب الروسي بيع غازه وتنمية اقتصاد بلاده وخروج روسيا من كل هذه الازمات التي تواجهه, والاستفادة من أقصى حد من المكاسب الحربية والسياسية وحتى الاقتصادية, وكما يقولون في السياسية والحرب كل الوسائل ممكنة ومباحة.