طالبان سيطرت على أفغانستان فهل تستطيع الاحتفاظ بالحكم؟
بقلم-بورزو درغاهي
من وجهة نظر الآخرين كلهم، لم يكن سوى مجرد كهل أفغاني عادي يقود سيارة “تويوتا كورولا” عمرها 20 عاماً على الطريق العام بين “بغلان” و”مزار الشريف”.
في المقابل، بالنسبة إلى فرق الاستطلاع والعملاء في “طالبان” ممن جلسوا يراقبون الطريق في ذلك اليوم من سنة 2019، شكّل الكهل نفسه شخصاً مميزاً، فقد عرفوا بشكل من الأشكال أنه ضابط رفيع المستوى في “مديرية الأمن الوطنية الأفغانية”، أي إدارة الاستخبارات التابعة لحكومة كابول.
بعدها بدا كأن القنبلة الصاروخية التي ضربته قرب بلدة “بول الخمري” ظهرت من العدم، ثم تبعها رشق ناري، وبعد دقائق عدة عثرت قافلة من المجندين في الجيش الأفغاني على أشلاء الرجل، لكن عناصر “طالبان” لم يكترثوا لهم، وفقاً لرواية ابن الرجل الراحل الذي يعيش الآن في المنفى بتركيا.
وبحسب الشاب البالغ من العمر 21 عاماً، “لم أكن أعرف في ذلك الوقت ما مهنته [الأب]، لكن طالبان علمت”.
لعبت الاستخبارات دوراً محورياً في انتصار طالبان على الحكومة الأفغانية والتحالف الدولي الذي يدعمها، وقد نالت أفضلية بفضل اختراقها لصفوف القوات الأمنية الأفغانية واستخبارات القوات الدولية والوطنية، في حرب استنزاف معقدة استمرت 20 عاماً خسرت خلالها السلطة قبل أن تعيد إحكام قبضتها على زمام الأمور هذا الشهر.
في المقابل، بحسب ما ظهر من خلال تفجير مطار كابول هذا الأسبوع، إذا أرادت حركة طالبان البقاء في موقع السيطرة واكتساب الشرعية، فسيتوجب عليها إعادة تركيز عملياتها الاستخباراتية بسرعة على استهداف تنظيم “داعش خراسان” وغيره من الجماعات المسلحة.
واستطراداً، قد تجد طالبان أن اختراق وسحق جماعة متمردة تشبهها جداً من حيث الهيكلية والتنظيم ستكون مهمة أصعب من سحق الحكومة التي قضت عليها للتو، إذ تملك الحكومات الشبيهة بحكومة أفغانستان، قوانين ومعايير بيروقراطية يستطيع المتمردون استغلالها، ولا تقبل الحكومة بالمحاباة والمحسوبيات وتفتح باب التوظيف أمام فئات واسعة من الناس، مما يسمح للمتمردين باختراق المؤسسات وتخريبها، وكذلك يتوجب تقديم إثبات على الاتهامات بازدواجية الولاءات، إضافة إلى مراعاة أصول المحاكمة القانونية.
في المقابل، لا تلتزم الجماعات المتمردة مثل تلك القواعد، وتستطيع التشدد أكثر في إجراءات التدقيق أثناء عملية تجنيد عناصرها، وكذلك يُنظر إلى روابط الدم بين المجندين الجدد والعملاء الموثوقين باعتبارها نقطة إيجابية. من جهة أخرى، لا ينال المتهمون بالعمالة والخيانة فرصة الدفاع عن أنفسهم، وكل شخص يشتبه بأنه مخترق يمكن إعدامه من دون محاكمة.
واستطراداً، تتألف الحكومات من مؤسسات معقدة تزداد فعاليتها بفضل التعاون بين الوكالات المختلفة، وبين مسؤولين وأنظمة بيروقراطية من دول أخرى، لكن ذلك يزيد أيضاً احتمال حصول تسريب للمعلومات أو سوء فهم أو تأخير يمكن لأي خصم استغلاله.
في ذلك الصدد، تواجه المجموعات المتمردة مثل “طالبان” أو “داعش” تحديات مختلفة، إذ تعتمد في معظم الأحيان على أسلوب التواصل المباشر في نقل المعلومات الاستخباراتية، خوفاً من أي اختراق للتواصل الإلكتروني من جهة سلطات أكثر نفوذاً، ولا شك في أن هذا الأسلوب أبطأ لكنه أكثر أماناً.
ومع وصول “طالبان” إلى موقع السلطة، ستضطر إلى تغيير سرعتها بدرجة كبيرة والتخلي عن أساليبها القديمة في سبيل صد تنظيم “داعش” الذي أرسل إشارة عبر هجومه المدمر على المطار يوم الخميس الماضي، مفادها أنه يشن حرباً شاملة على الحكومة الناشئة.
وتالياً غرد سهيل شاهين، ممثل “طالبان”، مستخدماً الاسم الرسمي للحركة، “تدين الإمارة الإسلامية بشدة التفجير الذي استهدف مدنيين في مطار كابول، ووقع في منطقة تتحمل القوات الأميركية مسؤولية ضمان أمنها، وتولي الإمارة الإسلامية عناية خاصة لأمن وحماية شعبها وسوف تضع حداً لدوائر الشر كلها”.
وبالاسترجاع، فقبل سنوات عدة وأثناء رحلة صحافية إلى أفغانستان، نقل لي أحد المصادر أن الآذان أثمن من العيون بالنسبة إلى عمليات “طالبان” الاستخباراتية، لكن ذلك موضع شك، إذ تنشر الحركة مخبريها في كل أنحاء البلاد، ويمدونها بمعلومات استخباراتية أولية حول تحركات القوات العسكرية وأعداد الجنود والاسلحة وفي المقابل يؤدي عدم تعاملهم مع وسائل الاتصالات إلى افتقادهم القدرة على فهم قدرات الأسلحة أو معنى الأرقام.
خلال السنوات الماضية أتاح اختراق “طالبان” الاستخباراتي نجاح الهجمات على القوافل العسكرية وتحركات المسؤولين الحكوميين من أمثال ضابط الاستخبارات الذي كان في طريقه إلى “مزار الشريف”.
وعلى الرغم من كل قدراتها فشلت أجهزةالاستخبارات الامريكية في توقع الانهيار السريع لحكومة الرئيس أشرف غني، وفي ما يبدو أن الأميركيين التقطوا أصداء أحاديث عن احتمال شن هجوم وشيك على كابول، لكنهم لم يعرفوا مكان الضربة أو توقيتها، وكذلك فقدت الولايات المتحدة 13 جندياً في الهجوم على “مطار حامد كرزاي” الذي تبناه تنظيم “داعش”.
من زاوية اخرى، وفي خضم تلك الفوضى، لم يكن مميزاً أداء شبكة العيون لدى “طالبان”، إذ لم تتوقع الحركة شن الهجوم على المطار الذي حرسته عناصرها، وفقدت 28 مقاتلاً في التفجير، إضافة إلى كم هائل من الصدقية والثقة بأنها قادرة على فرض الأمن والنظام في أفغانستان.
وكخلاصة، فبفضل دعم قبائل عدة تتبع قومية الـ “بشتون” في أفغانستان، زرعت “طالبان” عملائها في كل أرجاء البلاد.
وبحسب مصدر أفغاني، “فمنذ سنتين أسسوا شبكة في كابول وما حولها، ويعلمون أي أُسر تعمل لمصلحة من وفي أي موقع”، وبالتالي فقد تكون تلك القدرة الاستخباراتية فاعلة في إسقاط حكومة، لكن تقفي آثار المتمردين ومنع الهجمات يتطلبان استخدام أدوات مختلفة.
بعد استيلاء “طالبان” على كابول ذهب رجل أفغاني إلى مركز شرطة محلي كي يكتشف أن أحد شبان الحي الهادئين الذي كان يعمل في محل تصليح أدوات مختلفة أصبح المسؤول الآن. لقد عمل قائداً مساعداً في “طالبان” أثناء تلك الفترة كلها.
والآن بعد أن أصبح في موقع السلطة، سوف يستمر ذلك الرجل في التلفت خلفه كل الوقت، متسائلاً إن كان صاحب المتجر البسيط أو العامل الكادح في شارع فرعي ليس في الحقيقة سوى متمرد متنكر يسعى إلى إيذائه.