هذا ما كان ف الكان: من التأهل الإفريقي إلى رهان حكومة المونديال – الحلقة 29/10

0

 

الگارح ابو سالم

ها نحن انتصرنا على المنتخب الزامبي وحجزنا مقعدنا في الدور الثاني، وارتفعت المعنويات ودخلنا مرحلة الحسابات الدقيقة، حيث لم تعد التفاصيل ترفًا، ولا المباريات عادية. مباراة واحدة قد تكون كافية لمنح بطاقة العبور إلى الأدوار المتقدمة… أو لوضع حد للحلم وإعلان الخروج من المنافسة .
وبينما تتجه الأنظار إلى موعد الأحد المقبل أملاً في ضمان التأهل إلى ربع النهائي، لا بأس – بل من الواجب – أن نستحضر مباراة أخرى لا تقل حسمًا، بل قد تكون أشد وقعًا وأطول أثرًا. مباراة تُدار خارج المستطيل الأخضر، بلا صافرة ولا هتافات، دون حكم ولا تقنية “ڤار”، لكنها مباراة لا تمنح فرصة التعويض، ولا تعترف بالخطأ المتأخر. إنها مباراة التقييد في اللوائح الانتخابية، التي تمضي آجالها كما يمضي الوقت بدل الضائع، بهدوء قاتل، ودون أن ينتبه كثيرون إلى أن آخر أجل لها هو 31 دجنبر… أي يوم غد.
في كرة القدم، خطأ في التمركز قد يُكلّف هدفًا.وفي السياسة، خطأ في التوقيت قد يُكلّف ضياع تمثيلية كاملة، ويُقصي مواطنًا من المشاركة قبل أن تبدأ المباراة أصلاً.

اليوم، الشارع والمقاهي ووسائل التواصل تعجّ بالتحليلات والنقاشات: من سيلعب؟ من يُقصى؟ ما حظوظ التأهل؟ من الأقرب إلى اللقب؟
لكن، في المقابل، يكاد يغيب الحديث عن هذا الاستحقاق الانتخابي الأساسي، وكأنه شأن مؤجل أو تفصيل عابر. لقد طغت أحداث “الكان” على الزمان والمكان، حتى لم نعد نطرح الأسئلة الأهم: من سيكون في التشكيلة السياسية المقبلة؟ ومن سيجد نفسه في دكة الاحتياط، لا لضعف في الكفاءة، بل لأنه لم يُحيّن عنوانه أو لم يُعد تسجيله في الوقت المناسب؟
كثيرون يعتقدون أن وقته لم يحن بعد، غير مدركين أن التقييد في اللوائح الانتخابية هو الذي يرهن مستقبل الاستحقاقات المقبلة، تلك التي لا تفصلنا عنها سوى أشهر معدودات، والتي ستفرز مؤسسات ستتحمل مسؤولية مرحلة مفصلية في تاريخ البلاد.
المنتخب، كما الوطن، لا يُبنى بالنجومية وحدها، بل بالمنظومة. إذ ،لا يكفي أن نملك لاعبين محترفين في أكبر الدوريات إذا غاب الانسجام، كما لا يكفي أن نرفع سقف الطموحات السياسية إذا ظل جزء من المواطنين خارج اللائحة، خارج الحسابات، وخارج النتيجة النهائية.

ما يثير القلق حقًا، أن إعلان هذه المباراة السياسية جاء خافتًا، في توقيت كانت فيه المدرجات ممتلئة، والعناوين محجوزة للكرة وحدها، والفضاء العام مشغولًا بكل شيء إلا بما يحدد مستقبل القرار. وكأننا، دون وعي، اخترنا أن نلعب بنقص عددي، في مرحلة لا تحتمل أي غياب.

نحن اليوم لا ننافس فقط على لقب إفريقي، بل نُهيئ الأرضية لمرحلة سترهن ما بات يُعرف بـحكومة المونديال، بكل ما تحمله من رهانات اقتصادية، اجتماعية وتنموية كبرى. وفي مثل هذه المباريات، لا يُسمح بالغياب، ولا يُقبل التفرج من المدرجات.
وإذا كان الجمهور هو اللاعب رقم 12 في الملعب، مصدر الحافز والطاقة والانتصار، فإن الانتخابات، مثل كرة القدم، لا تُربح إلا بالحضور. لا يمكنك تسجيل هدف وأنت خارج الخط، ولا يمكنك التأثير في السياسة وأنت خارج اللائحة. المشاركة ليست هتافًا عابرًا، بل دخول فعلي إلى أرضية اللعب.
قد نختلف حول الخطة، وقد ننتقد المدرب أو الحكومة، لكن الثابت أن المباريات المصيرية لا تُربح بالغائبين. وحده من حضر، وسجّل، وراكم، يملك حق الاعتراض وحق الاحتفال معًا.
وفي انتظار صافرة الحسم، يبقى السؤال معلّقًا:
هل سنكتفي بالتأهل في الملعب… أم سنختار التأهل أيضًا إلى المستقبل؟
سارعوا إلى التسجيل، قبل أن تفوتكم فرصة المساهمة في تقرير مصير من سيقود المرحلة، ومن سيُحسن التدبير.
سير… سير… سير… وعسى أن نُوفَّق جميعًا.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.