ONCF

هذا ما كان ف الكان: شهد شاهد من أهلها الجمهور الجزائري يستنكر افتراءات إعلامه الحلقة 29/08

0

الگارح ابو سالم

منذ الأيام الأولى لتنظيم المغرب لكأس إفريقيا، وجد الإعلام الجزائري الرسمي نفسه في مواجهة واقع ميداني يناقض جذريًا ما ظلّ يروّجه لسنوات. واقع لم تصنعه بلاغات رسمية، ولا تقارير مُعدّة سلفًا، بل وثقته هواتف المشجعين الجزائريين أنفسهم، الذين قدموا إلى المغرب وشاهدوا بأعينهم أن الصورة التي رُسمت لهم عن البلد ومجتمعه لم تكن سوى بناء دعائي قائم على التشويه والتضليل.
المفارقة اللافتة أن الحقيقة لم يُسوّق لها المغرب داخل الجزائر، بل نقلتها شهادات حيّة لمواطنين جزائريين، وعاينتها جماهيرهم قبل غيرها، دون وساطة، ودون مونتاج، ودون تعليق موجّه. يكفي القيام بجولة سريعة في منصات التواصل الاجتماعي، من فيسبوك وإنستغرام إلى غيرها، لاكتشاف حجم التناقض بين خطاب السلطة وإعلامها من جهة، ويوميات الجزائريين الذين عاشوا التجربة على الأرض من جهة أخرى. حكّام في واد، وشعب يكتشف الواقع في واد آخر.

 

ورغم هذا الانكشاف الواضح، لا تزال الطغمة الحاكمة في الجزائر تتصرف وكأنها تعيش داخل فقاعة من الأوهام، وتعتقد أن ما تمارسه داخل إعلامها يخدم مصالحها. إعلام يتفادى ذكر اسم المغرب، ويتحاشى الإشارة إلى الملاعب، ويُقحم في نشراته عمليات حذف فجّة لعلم دولة عضو في الاتحاد الإفريقي لكرة القدم، في سابقة تفتقر إلى أبسط القواعد المهنية والأعراف الإعلامية.
المسألة هنا لا تتعلق بحذف رمز أو تغييب اسم، بقدر ما تكشف خوفًا عميقًا ورهبة واضحة من صورة المغرب الحديثة، صورة لا تخدم أطروحة مهترئة لم تعد تقنع أحدًا، بما في ذلك الجزائريون أنفسهم. بل إن ما يُبث في هذا السياق أضحى مادة للسخرية والتفكّه، ليس داخل الجزائر فقط، بل لدى كل من تابع مشاهد قنوات رسمية تحذف راية دولة مضيفة وتتجاهل اسمها، في سلوك يعكس عقدة سياسية أكثر مما يعكس موقفًا إعلاميًا.
والمفارقة الأبلغ أن هذا التعتيم “المحكم” لم يمنع مرور كبسولات البطولة ولا الإشهارات الرسمية للشركاء المعتمدين من طرف الاتحاد الإفريقي لكرة القدم، من قبيل Morocco Now، OCP، ONCF، الخطوط الملكية المغربية وغيرها. الصورة التي جرى تجاهلها لفظيًا، عادت لتفرض حضورها بصريًا عبر البث الدولي، وكأن الواقع يُصرّ على قول كلمته، مهما أُغلقت النوافذ وأُطفئت الأضواء. ولو كانت لدى القائمين على الإعلام الجزائري الجرأة، لحذفوا هذه الإشهارات التي تعتمدها الكاف نفسها، وهي الجهة المشرفة على البطولة، لكنها حدود لا يستطيعون تجاوزها.
أليس في محيط هذه الطغمة من ينبهها إلى أن تناقضاتها باتت فاضحة؟ فهذه السردية لم تسقط بردود مغربية، بل انهارت في يوميات مواطنيهم. صور لمشجعين جزائريين يتنقلون بحرية، يعبّرون عن ارتياحهم، وينقلون تفاصيل بسيطة عن التنظيم والإقامة، كانت كفيلة بإسقاط خطاب التهويل من داخله. عندها، لم يعد السؤال: ماذا يقول الإعلام الرسمي؟ بل: لماذا لم يعد يُصدَّق؟

 

أما محاولات “تركيب” تقارير معتمة، والبحث عن زوايا مظلمة لتقديم سرديات قاتمة، فلم تُربك سوى أصحابها. فالحقيقة، بطبيعتها، لا تحتاج إلى ديكور ولا إلى إضاءة مصطنعة. هي واضحة، مباشرة، وتربك كل رواية قائمة على الإنكار أو التوجيه القسري.
ومن زاوية أخرى، وأمام الحضور الجماهيري المغربي اللافت في مباريات منتخبات كبرى كمنتخبي مصر أو الجزائر، يفرض منطق المنافسة وقفة تأمل. ما دمنا داخل بطولة رسمية، ولكل منتخب إكراهاته التقنية والنفسية والذهنية، فمن الأجدر ترك كل منتخب يواجه مصيره داخل الملعب، دون أن تتحول الجماهير إلى أداة تشجيع انتقائي، أو ورقة ضغط تُستعمل لفائدة هذا الفريق دون غيره.
إن ترك كل منتخب يواجه خصومه بإمكاناته، وبنقاط قوته وضعفه، هو في حد ذاته انتصار للعبة، وللروح الرياضية، ولمبدأ تكافؤ الفرص. أما تحويل التشجيع إلى اصطفاف عاطفي غير محسوب، فقد يُفرغ المنافسة من معناها، ويحوّل الجمهور إلى عنصر خارج منطق الرياضة.

قد يُؤخذ على المغاربة، أحيانًا، فائض طيبة وسرعة نسيان. وهي خصلة نبيلة حين تُدار بوعي، لكنها قد تتحول إلى نقطة ضعف حين تُقابل بإنكار أو عداء متجدد. المطلوب ليس الحقد، ولا ردّ الإساءة بالإساءة، بل ذاكرة يقظة، واحترام للذات، ووعي بأن التشجيع موقف مسؤول، وليس رد فعل عاطفيًا لحظيًا.
خلاصة القول، إن ما جرى خلال هذه البطولة لم يكن مجرد نتائج تُسجّل في جدول الترتيب، بل انتصارًا للواقع على الخطاب المصنوع. الإعلام الذي يشتغل تحت الإكراه ينكشف عاجلًا أم آجلًا، والحقيقة حين تظهر لا تحتاج إلى دفاع طويل. يكفي أن تُترك لتتكلم… فتُربك، وتفضح، وتنتصر

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.