حين تُهان كرامة المواطن قبل البرلماني وأمام التلفزة العمومية قمة الدناءة

0

الگارح ابوسالم

لم تعد القضية مجرّد لفظٍ جارح صدر في لحظة انفعال داخل قاعة البرلمان، ولا مجرّد اعتذار قدّمه وزير ونائب وقُيّد في الكواليس باعتباره “حادثاً عابراً”. المشهد تجاوز الأشخاص جميعاً، ولامس جوهر ما يجب أن يكون عليه البرلمان باعتباره فضاءً للهيبة والنقاش المسؤول.
لكن الخسارة الحقيقية، والتي مرّت مرور الكرام ، هي خسارة المواطن المتفرّج؛ ذاك الذي جلس أمام التلفزة العمومية، ليفاجَأ بخطابٍ ينتمي إلى قاموس بعيد تماماً عن مؤسسات دولة تحترم نفسها، وبعيد عن أبجديات الحوار السياسي الذي نريد أن نقدّم للشباب كي ينخرطوا في المشاركة والشأن العام.

ما الذي يعنيه لنا اعتذار قُدّم في الكولوار؟

من حقّ النائب أن يقبل اعتذار الوزير أو يرفضه. تلك مسألة تخصّه وتخصّ فريقه النيابي وحزبه،لكن كرامة المواطنين ليست جزءاً من هذه التسوية. نحن لسنا متلقّين سلبيّين في محراب السياسة، ولسنا أغراضاً جانبية في صراعات الأحزاب. ما يُقال تحت قبّة البرلمان يُقال باسم الأمّة، ويُبثّ مباشرة على شاشة عمومية تموّلها جيوب المغاربة،وبالتالي، فإن ما جرى لم يكن إهانة لبرلماني واحد فقط…بل كان إهانة للجمهور بأكمله الذي تابع تلك الألفاظ، ووجد نفسه شاهداً على خطاب لا يربّي ولا يرقّي، ولا يُشجّع أي شاب على أن يرى في السياسة شيئاً يستحق الانخراط.

حتى في البرلمانات الأوروبية يحدث هذا… حجّة فارغة

قد يقول البعض إن البرلمانات الأوروبية تشهد صراعات ورفع أصوات وربما ملاسنات. صحيح، لكن ما يغيب عن هؤلاء هو سياق تلك الديمقراطيات،شعوب قطعت أشواطاً طويلة في بناء المؤسسات، وممثّلون يختلفون حول القوانين والميزانيات والإصلاحات الكبرى، لا حول لغة الشارع ولا حول إظهار من يعلو صوته أكثر،ثم إن تلك البرلمانات لا تبثّ شتائم على الهواء دون مساءلة، ولا تعتبر الأمر “نزلة غضب”، بل تُعالج وفق قوانين صارمة تحفظ كرامة المؤسسة والمتابع.

أي صورة نريد أن نقدّم لجيل جديد يشكّ أصلاً في قيمة السياسة؟

إن أخطر ما في الواقعة ليس الشتيمة نفسها، بل تطبيع القبح السياسي تحت قبة أسمى مؤسسة تشريعية، ثم السعي إلى إغلاق الملف باعتذار شفهي، كأنّ المتابع المغربي لا وجود له.ومن يشاهد البرلمان اليوم، من تلاميذ وطلبة وشباب يبحثون عن قدوة سياسية، ماذا سيأخذ من هذا المشهد؟ وهل سيؤمن بأن السياسة فضاء للنقاش الهادئ والمسؤول؟ أم سيزداد اقتناعاً بأن المشهد برمّته لا يستحق الاقتراب منه؟

المطلوب ليس الانتقام… بل احترام ذكاء المغاربة

إذا كان البرلماني قَبِل الاعتذار، فهذا شأنه،لكن ما يهمّنا نحن هو السؤال التالي:

من يعيد الاعتبار لنا كمواطنين؟ من يقدّم لنا اعتذاراً علنياً عن خطاب غير لائق خرج من مؤسسة تشريعية ويُبثّ عبر إعلام عمومي؟
المغاربة لا يطلبون المستحيل. يطلبون فقط أن يكون البرلمان في مستوى الانتداب الشعبي، وأن تكون لغة النقاش فيه محترمة، وأن يشعر المواطن بأن كرامته غير قابلة للمساومة.

المؤسسة أكبر من الأشخاص… والكرامة أكبر من الحسابات

إن كرامة النائب جزء من كرامة البرلمان. وكرامة البرلمان جزء من كرامة الشعب.،وأي إساءة تُبثّ على الهواء، يجب أن تعالج بالعَلَن لا بالهمس،لأن المواطن هو الطرف الأول المعني بالاحترام، قبل أي حزب، وقبل أي نائب، وقبل أي وزير.
وحتى يُستعاد هذا الاحترام، على مؤسساتنا أن تدرك أنّ المصالحة الحقيقية مع المواطن تبدأ من لغة الخطاب، ومن صورة البرلمان التي نشاهدها نحن… لا التي يتبادل فيها السياسيون الاعتذارات خلف الأبواب المغلقة.. واذا ما انتصر المغرب بشأن الحكم الذاتي .. عليه الإنتقال الآن وبسرعة  للانتصار على  الأمن الأخلاقي قبل اكتساب الصفة الحكومية او التمثيلية الجماعية والبرلمانية التي تفصلنا عنها بضعة أمتار .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.