تحول النقاش داخل مجلس النواب، خلال مناقشة مشروع القانون المتعلق بتعويضات حوادث السير، إلى مواجهة سياسية حادة بعدما وُجهت لوزير العدل عبد اللطيف وهبي اتهامات ثقيلة بالعمل على “تشريع يخدم لوبيات التأمين” و“إقرار نص يكرّس الظلم في حق الضحايا”.
وفي المقابل رد وهبي باتهامات مضادة، متهماً بعض الفرق بـ“تعطيل تجريم الفساد حين يكون ذلك في صالحها”.
منذ بداية الجلسة، اختار نواب من المعارضة لهجة تصعيدية، معتبرين أن الصيغة الحكومية الجديدة للقانون “لا تُحدث أي تحول جوهري” وأنها “إعادة تدوير” لمقتضيات قديمة تعود لثمانينيات القرن الماضي.
وذهب بعض البرلمانيين إلى حد التشكيك في خلفيات تسريع المصادقة على المشروع في اللجنة، مقابل تأخير تقديمه للجلسة العامة، معتبرين أن ذلك “لا يخلو من تأثير لوبيات قوية داخل القطاع”.
ووجّه نواب من أحزاب المعارضة اتهامات مباشرة لوزارة العدل، معتبرين أن المقترح الحكومي “لا يرقى إلى حماية ضحايا الحوادث”، خصوصاً في ما يتعلق بالتعويضات التي عدّوها “هزيلة”، بعد أن رفعت بنسبة 54% فقط، وهو ما يعني أن تعويض وفاة قاصر لن يتجاوز عشرين ألف درهم، معتبرين أن هذا المبلغ “لا يوازي حجم معاناة الأسر” ولا يعكس “الالتزامات التي قدمت خلال أشغال اللجنة”.
كما انتقد نواب آخرون ما وصفوه بـ“إقصاء غير مبرر” لعدد كبير من ملفات ضحايا الحوادث الجارية، بدعوى تطبيق القانون فقط على الحالات المستقبلية، وهو ما اعتبروه “إنكاراً لحق الضحايا في الاستفادة من نظام جديد أكثر إنصافاً”.
وفي خضم هذا الهجوم، لم يتردد وزير العدل في الرد بحدة مماثلة، متهماً عدداً من الفرق المعارضة بـ“ازدواجية الخطاب”، مشيراً إلى أنها “امتنعت سابقاً عن التصويت على مشاريع قوانين تجرّم الفساد”، بل ودافعت – بحسب قوله – عن تأجيل العمل ببعض النصوص القانونية إلى ما بعد الانتخابات، مما “يؤكد أن الخطاب الأخلاقي الذي ترفعه اليوم لا يستند إلى مواقف ثابتة”.
وأكد وهبي أنه خاض سلسلة من الاجتماعات المطولة مع شركات التأمين، برفقة وزيرة الاقتصاد والمالية، لمناقشة تفاصيل مراجعة نظام التعويضات، قائلا إن هذه الشركات “قبلت من حيث المبدأ أي زيادة تُقرّر في التعويضات، حتى لو بلغت 500%”، لكنها طالبت في المقابل برفع أقساط التأمين المؤداة من طرف المواطنين، وهو الشرط الذي أكد الوزير أنه “غير مقبول إطلاقاً”.
وشدد على أن الحكومة اشتغلت طيلة ستة أشهر على صيغة “تضمن رفع قيمة التعويض دون تحميل المواطنين أي كلفة إضافية”، معتبراً أن الوصول إلى هذا التوافق لم يكن ممكناً لولا “الدور الحاسم” الذي قامت به وزارة المالية.
وبين اتهامات المعارضة بردود الحكومة، يظل مشروع القانون واحداً من أكثر النصوص إثارة للجدل داخل الولاية التشريعية الحالية، في انتظار أن ينتقل إلى مجلس المستشارين، حيث يتوقع أن تتجدد المعركة السياسية حوله مع مطالب متزايدة بمراجعة جوهرية لمقتضياته.

