اختلالات القناة الرياضية تفضح ما هو أعمق داخل الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة
الگارح ابوسالم
أزمةٌ تظهر… ولا تُخفى
قبل أيام قليلة من انطلاق كأس إفريقيا، انفجرت القناة الرياضية – الذراع التلفزيوني للشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة – في قلب نقاش عمومي محتدم. ما كان يُقدَّم في البداية باعتباره “أخطاء تقنية معزولة” أو “تبايناً في المعطيات” سرعان ما انكشف عن اختلال بنيوي أعمق. سلسلة الوقائع المتراكمة أعادت فتح ملفات الحكامة، وتدبير الموارد، والجاهزية التقنية، والتخطيط الاستراتيجي داخل الإعلام العمومي السمعي البصري.

غياب المدير… بداية الأزمة أم ذروتها؟
لم تكن شرارة الأزمة مرتبطة حصراً باختفاء مدير القناة الرياضية عن المشهد. فالروايات داخل المؤسسة تباينت بين من تحدث عن عطلة مرضية، ومن ربط الأمر بسوء فهم بينه وبين الرئيس المدير العام، بينما تداول آخرون أن الغياب له علاقة بتقرير أجنبي حول الجاهزية التقنية للكان. التقرير، الذي تم تسريبه إعلامياً، تناول تفاصيل حساسة ترددت داخل الشركة دون أن تبادر هذه الأخيرة إلى تكذيبه أو توضيحه، وهو ما فُهم منه أن الأزمة أكبر من مجرد “ظرف عابر” و مصادر من داخل المؤسسة تؤكد أن الغياب لم يكن حدثاً معزولاً، بل جاء بعد شهور من احتقان داخلي سببه ضعف التجهيزات مقارنة بحجم التظاهرة، والتأخر في إطلاق خطة الإنتاج، والتردد في تعيين المخرجين والفرق التقنية. ورغم ذلك، ظل البلاغ الرسمي غائباً، بينما اتُّخذت إجراءات وُصفت بأنها “ترميمية” أكثر منها حلولاً حقيقية، من بينها تعيين “مدير مساعد بالنيابة”، خطوة فسّرها كثيرون بأنها محاولة لسد فراغ طارئ أكثر من كونها قراراً استراتيجياً.
برمجة فقيرة… وإعادة محتويات قديمة
خلال الأسابيع السابقة، بدا أن القناة الرياضية فقدت بوصلتها البرمجية. إذ غاب أي محتوى جديد يواكب استعدادات المغرب لاستضافة حدث قاري ضخم: لا برامج خاصة، ولا تغطيات أخبارية موسعة، ولا حتى أرشيف كروي مرتبط بكأس إفريقيا، وعلى العكس، فوجئ المتابعون بإعادة مباريات قديمة لا علاقة لها بالحدث، بعضها في كرة السلة الأجنبية، تُعاد في اليوم ذاته لمرات متتالية. أما بعد توقف البطولة الاحترافية، فقد عاشت الشبكة البرامجية حالة تيه، وصارت القناة تبث كل ما هو “متاح” لملء الفراغ، حتى أصبحت برمجتها نسخة مكررة على شاشاتها المتعددة، أما حادثة عدم بث نصف ساعة من مباراة الوداد وحسنية أكادير فلم تكن “سقطة تقنية عابرة”. بل تكشف – وفق استقصاء داخلي غير معلن – عن تأخر جاهزية وحدة البث، ونقص في الربط بين مركز التحكم ووحدة الإرسال، وغياب بروفة تقنية أساسية قبل المباراة، فضلاً عن غياب مسؤولين تقنيين عن لحظة الانطلاق. ورغم ذلك، انصبت العقوبات على موظفين صغار، فيما ظلّت الحلقة التقنية العليا بمنأى عن المساءلة.

دخول الجامعة على الخط… مؤشر أزمة أم محاولة إنقاذ؟
التطور الأخطر تمثل في دخول الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم على خط الإنتاج التلفزي. فقد بادرت إلى تكليف المخرج العالمي Lachand، مخرج نهائي كأس العالم، بإنجاز تشخيص تقني شامل لوحدات الإنتاج. وهذا التدخل غير مسبوق في تاريخ الشركة الوطنية، ويمثّل عملياً إعلان فقدان الثقة في جاهزية القناة الرياضية لتأمين تغطية لائقة بحدث قاري. فالجامعة ليست مفوضاً أصلاً في مهام الإنتاج التلفزي، لكن ارتباك المؤسسة أجبرها على لعب هذا الدور، والمشكل الجوهري أن طريقة الاشتغال داخل الشركة ظلت على وتيرتها التقليدية ،بسبب غياب استراتيجية إنتاج بعيدة المدى، و تجاوزت المعدات لعمرها الافتراضي، حتى صيانتها تكون متقطعة، ،ناهيك عن غياب تكوين تقني من اعلى مستوى ،مما انتج ضعف خبرات في تغطيات عالمية، وهذا راجع في الأساس إلى تركيز القرار في دائرة ضيقة لا تواكب التطور السمعي البصري السريع،وهو ما يجعل اتخاذ القرارات يتم في اللحظة الأخيرة، مع البحث عن حلول ترقيعية لا تُصلح البنية.
جاهزية على الورق… وهشاشة على مستوى التنفيذ
على الورق، المغرب جاهز لاحتضان كأس إفريقيا. لكن على مستوى الإنتاج التلفزي، الصورة مختلفة و الوضع مرتبك حتى يظهر العكس ،بسب الانطلاق المتأخر للبروڤات التقنية، مما جعل وحدات الإنتاج لا تزال قيد الفحص، الشيء الذي يجعل الاعتماد على خبرة أجنبية لم يعد خياراً بل ضرورة، ،خصوصا ان القناة الرياضية فقدت عنصر “الاطمئنان” لدى جمهورها.
أزمة قناة… أم مرآة لأزمة قطاع كامل؟
الأزمة القائمة تتجاوز حدود قناة واحدة. فهي تكشف وضعاً عاماً يعيشه الإعلام العمومي السمعي البصري، حيث ان الحكامة بدون تحديث، و ورؤية إنتاجية يغيب عنها الوضوح واستثمار لا يساير حجم المشاريع الوطنية،و تنسيق ضعيف بين القنوات، ناهيك عن غياب آليات صارمة لمراقبة الجودة.
ختام القول ، نود ان يكون هذا الحدث الكروي المرتقب أن مناسبة لإطلاق ورش إصلاح جذري، لا مجرد مرحلة ضغط تُدار بمنطق الإسعاف المؤقت، خصوصا ان الوقت يضيق، والأنظار تتجه نحو المغرب،إما أن تتحول هذه اللحظة إلى نقطة انطلاق لإعادة بناء منظومة الإنتاج داخل الإعلام العمومي، وإما سنكرر الأخطاء ذاتها في كل محطة قارية أو عالمية،
وما هذا المقال إلا دعوة للتنبيه: فصورة القناة… وصورة المغرب معها… أصبحتا اليوم على المحك

