صه .. غضوا الطرف عن فعاليات كأس أفريقا ستقام في مدن بدون مراحيض عمومية
الكارح ابوسالم
في اللحظة التي تُسرّح فيها الجرافات شعر الأرصفة، وتصبغ فيها المدن المستضيفة لكأس إفريقيا خدودها بألوان زاهية، وتُغيّر مصابيحها لتشع أنوارها ، يطفو سؤال واحد، هو سخيف في شكله، لكنه عميق في دلالته، ومحرج إلى حدّ الفضيحة:أين هي المراحيض العمومية؟
سؤال يبدو تافهاً لأول وهلة، لكن طرحه في متم سنة 2025 يجعل المرء يشعر وكأنه يكتب من كوكب آخر. ومع ذلك… فهو السؤال الذي سيطرحه الضيف، والسائح، والمشجع، والصحفي، والمتطوع، وحتى اللاعب الذي يخرج في جولة لالتقاط صورة “ستوري” قرب معلمة تاريخية او تحفة عمرانية. هل يُعقل أن بلداً يستعد لاستضافة قارة كاملة… يعجز عن استضافة أبسط ما في الإنسان: حاجته البيولوجية؟
نحن نتوفر على ملاعب بمعايير الفيفا، بتكنولوجيا الصوت والضوء، وبمدرجات تنافس أكبر الملاعب العالمية…لكن المدن التي تحتضن هذه التحف المعمارية لا تملك مرحاضاً عمومياً واحداً يحترم الكرامة الإنسانية ،وكأننا نقول للعالم:
“مرحباً بكم… ولكن دبروا حاجتكم البيولوجية بعيداً عنّا. ما تخرج من الأوطيل حتى تخلّص من السوائل لي فكَرشك… وإلا دير ليكوش او عيش حياتك.”هذه وصيتي لك قبل الفضيحة .

السائح جاء يبحث عن المغرب الجديد…
السائح الذي قطع آلاف الكيلومترات لم يأتي فقط لمشاهدة مباراة منتخبه،بل جاء ايضاً ليستمتع بتحوّل عمراني ضخم: واجهات نظيفة، جسور، ترام، حدائق، ممرات مضاءة…جاء ليقول: “هذا هو المغرب الجديد.”، لكن حين يبحث عن مرحاض عمومي، سيظن أن كل تلك الصور اللامعة… مجرد بوستر إعلاني، وبالتالي بفيديو واحد على تيك توك، وصورة واحدة من هاتف بسيط قرب ملعب دولي بلا مراحيض، او لحائط ملطخ بالبول و الغائط ، كفيل بأن يجعل مدننا مادة للسخرية العالمية، وحينها سنُدرك فعلاً معنى الحكمة الفرنسية:«Dans les détails se cache le diable» وفي التفاصيل… يختبئ الجن، فعلا.
المقاهي ليست “الهلال الأحمر البيولوجي”
هناك من يقول إن المقاهي كافية لسد الخصاص لهؤلاء اقول ؛ المقاهي لا تستطيع تحمل ضغط عشرات الآلاف، وهي في الأصل ليست ملزمة بفتح مرافقها للجميع، وإن سمحت… فكيف سندبر “الحاجة الكبرى”؟ هل نستعين بالنخيل؟ بالأشجار؟ أم نجعل من المساحات الخضراء “مراحيض قارية” في بطولة دولية؟
يجب ان ندرك ان جل زوار مدمنا المستقبلة لكأس افريقيا ، سيطرحون السؤال:“فين هو أقرب مرحاض؟”والجواب: “ما كاينش.” ، هل سنقول لهم المدن التي وسّعت الأرصفة، وثبّتت الشاشات العملاقة، وأنفقت الملايين على التزيين…نسيت أهم قطعة في اللغز الحضري:المرفق الصحي؟.
لماذا غابت المراحيض؟ الجواب مؤلم… لكنه حقيقي
غابت لأنها لا تُنتج الصور السياسية الجميلة.، غابت لأنها ليست مشروعاً انتخابياً جذاباً.، غابت لأن لا أحد يقف أمام مرحاض عمومي ويسجل “سيلفي النصر”، غابت لأن التخطيط الحضري عندنا… يهتم بما يظهر في الصورة، وينسى ما يخدم الحياة. بينما في العالم المتقدم، عدد المراحيض العمومية في المدينة…مؤشر حضاري تماماً مثل النقل، والإنارة، والأمن.
و بالتالي فما الفائدة من ملعب يتسع للآلاف من المشجعين ، والمدينة لا تستوعب حاجات 45 شخصاً؟وما الفائدة من إنفاق الملايين على الواجهة،إذا كنا سنعرض للعالم أننا ما زلنا نعتبر “المرافق الصحية” تفصيلاً…بينما هي أساس أي تنظيم محترم؟كيف لبلد يطمح لاستضافة كأس العالم أن يتعثر عند أول بروفة بسيطة؟
وختام القول ، قد ننجح في الملاعب، في الأمن، في النقل، في التنظيم…لكن التفاصيل الصغيرة — تلك التي “يختفي فيها الجن” —قد تقلب الصورة رأساً على عقب.والأمم تُقاس باحترام الإنسان… قبل احترام الأحداث، واذا ما تحدثنا عن معضلة غياب المراحيض فلا نعني بها فقط استعداداً لفعاليات كأس إفريقيا او كأس العالم ، وإنما لسد حاجيات المواطنين قاطبة بغض النظر عن أي نشاط إشعاعي آخر .

