تحت الأخلاق وفوق القانون”: المداولات المسربة للجنة المؤقتة نموذجا”

0

بقلم: محمد براو
تهدف هذه الدراسة إلى تطبيق المقولة التحليلية تحت الأخلاق وفوق القانون المستمدة من فقه وأدبيات مكافحة الفساد على حالة مؤسسية مثيرة للجدل في قطاع الصحافة، والمتمثلة في ما عُرف إعلاميًا بقضية تسريبمداولات لجنة الأخلاقيات المؤقتة.
تعالج الدراسة كيف يمكن لهيئة تنظيمية أو تأديبية أن تتحرك داخل الحدود الشكلية للقانون، لكنها تتجاوز الإطار الأخلاقي الذي يشكل جوهر وظيفتها.
وتناقش، انطلاقًا من مادة فيديو مسرّب، ما إذا كانت هذه الحالة تمثل نموذجًا لنمط من الانحراف المؤسسي غير الجنائي.
وتخلص الدراسة إلى أن المقولة المذكورة تصلح كأداة تحليلية لفهم المنطقة الرمادية التي تعمل فيها بعض المؤسسات، دون أن يشكل ذلك حكمًا قيميًا أو اتهامًا نهائيًا لأي طرف.

مقدمة

تطرح عبارة تحت الأخلاق وفوق القانون سؤالًا جوهريًا حول طبيعة الانحراف المؤسسي:
كيف يمكن لجهة رسمية أن تمتثل ظاهريًا للقانون، لكنها تخرق في الوقت نفسه الأساس الأخلاقي لوظيفتها؟

هذا السؤال يكتسب أهمية خاصة عند تحليل الحالات التي تظهر فيها شبهة تداخل بين السلطة التنظيمية والسلطة القضائية، أو عندما يبدو أن الإجراءات القانونية تُستخدم كأدوات لتحقيق غايات لا تتوافق مع روح القانون.

في هذا السياق، تُعدّ قضية التسريب المذكور مثالًا مناسبًا لتطبيق هذه المقولة، خاصة في ضوء ما جاء في جلسة المداولات من تصريحات قد توحي، إذا صُدِّقت حرفيًا، بوجود رغبة في التأثير على مسار الطعن القضائي.
تهدف هذه الدراسة إلى تفكيك هذه الحالة نظريًا، وتحليل مدى انطباق المقولة عليها، دون إصدار أحكام مسبقة أو تبني موقف عملي.

الإشكالية :

يمكن صياغة إشكالية البحث كما يلي:

إلى أي مدى تُطبّق مقولة تحت الأخلاق وفوق القانون على حالة مداولات اللجنة المؤقتة، انطلاقًا من الفيديو المسرّب، باعتبارها نموذجًا محتملاً للانحراف المؤسسي غير الجنائي؟

الفرضيّات:

1. فرضية أولى: إذا تضمنت الإجراءات التأديبية ميولًا شخصية أو انتقائية، فإنها قد تمثل سلوكًا تحت الأخلاق.
2. فرضية ثانية: إذا تضمنت الخطابات أو التوقعات رغبة في التأثير على القضاء، فهي تمثل نمطًا من العمل فوق القانون.
3. فرضية ثالثة: المنطقة بين الامتثال القانوني والانحراف الأخلاقي تمثل إطارًا نظريًا صالحًا لتحليل الحالة.
4. فرضية رابعة: الفيديو المسرّب يلعب دورًا في كشف النشاط المؤسسي الذي يجري عادة في الظل.

الإطار النظري

الانحراف المؤسسي غير الجنائي

يتعلق هذا المفهوم بالحالات التي لا تنتهك فيها المؤسسة القانون نصًا، لكنها تنحرف عن أهدافها وأدوارها الأصلية.
يعرف هذا في الأدبيات باسم:

Détournement de finalité (انحراف الهدف)
Institutional Corruption (الفساد المؤسسي)
Non-criminal Corruption (الفساد غير الجنائي)
Regulatory Capture ( النوظمة المحجوزة)

فساد فوق القانون دون خرقه

يشير هذا المفهوم إلى تدخلات غير رسمية أو تأثيرات غير منصوص عليها، تُمارس من داخل المؤسسات بهدف التأثير على نتائج قانونية أو قضائية.

الأخلاق كمحدد لوظيفة المؤسسات

تعتمد المؤسسات التنظيمية أو الضبطية على الأخلاق المهنية بقدر اعتمادها على القانون؛ فاختلال المعايير الأخلاقية يؤدي إلى اختلال وظيفتها، حتى لو بقيت الإجراءات قانونية في ظاهرها.

التحليل:

تحليل عناصر السلوك تحت الأخلاق في الحالة موضوع الدراسة

تكشف المادة المسرّبة—إذا اعتُمدت حرفيًا—عن ثلاثة مؤشرات محتملة:

1. الشخصنة بدل المهنية: الحديث عن الشخص وليس عن المخالفة.
2. المنطق العقابي بدل التنظيمي: توظيف العقوبة كوسيلة للردع أو الاستهداف.
3. توجيه القرار قبل صدوره: مما يضعف مبدأ الحياد.

هذه المؤشرات، إذا ثبتت، تمثل نموذجًا لانهيار المسؤولية الأخلاقية داخل المؤسسة، أي سلوكًا تحت الأخلاق.

تحليل عناصر السلوك فوق القانون

يتجلّى هذا السلوك بحسب ما يظهر في الفيديو في:

1. الحديث عن نتائج مرجوة للطعن القضائي.
2. توقع أو تمني انسجام القضاء مع قرار الهيئة.
3. الإيحاء بإمكانية تأثير غير مباشر على الحكم.

هذا النمط يُعد، نظريًا، ممارسة فوق القانون، بمعنى التحرك في فضاء النفوذ غير المدون.

المنطقة الرمادية بين القانون والأخلاق

الحالة المدروسة تمثل مثالًا على:

التزام شكلي بالقانون: اتخاذ إجراء تأديبي مسموح قانونًا. (طبعا مع مراعاة إمكانية فقدان الصلاحية الزمنية للجنة)
انحراف أخلاقي محتمل: توظيف القانون لغاية غير مهنية.

هذه المنطقة هي ما تصفه المقولة بدقة: تحرك تحت سقف الأخلاق، فوق سقف القانون، دون خرقه مباشرة.

دور الفيديو كآلية لكسر الانغلاق المؤسسي

الفيديو أدّى إلى:

1. رفع السرية عن مسار كان يُفترض أن يكون داخليًا.
2. خلق ضغط عام يدفع المؤسسة والقضاء نحو المزيد من الشفافية.
3. تحويل القضية من نزاع فردي إلى اختبار مؤسسي.

وفي الأدبيات، يُعرف هذا بدور الشفافية الإجبارية في الحد من الانحراف المؤسسي.

مناقشة

تكشف الدراسة أن المقولة تحت الأخلاق وفوق القانون ليست مجرد وصف بل منهج تفسير لفهم الانحرافات الدقيقة في سلوك المؤسسات.
ومع ذلك، فإن تطبيقها على حالة واقعية يتطلب عددًا من التحفظات:

لا يمكن اعتبار كل مقطع صوتي دليلاً قاطعًا على النية.
السياق قد يغيّر معنى الكلمات.
لا توجد معطيات كافية للحكم على السلوك قانونيًا.
التحليل يبقى نظريًا وتفسيريًا وليس قضائيًا.

هذا يبرر اقتصار الدراسة على التحليل الاحتمالي لا الحسم القطعي.

خاتمة

خلصت الدراسة إلى أن المقولة تحت الأخلاق وفوق القانون تمثل إطارًا تحليليًا متينًا لفهم حالة تسريب مداولات اللجنة المؤقتة، إذا ما صحت حرفية محتوى الفيديو المسرّب.
فالسلوكيات التي توحي بالاستهداف الشخصي تمثل نموذجًا للسلوك تحت الأخلاق، بينما التصريحات التي توحي بالرغبة في التأثير على القضاء تعبّر عن السلوك فوق القانون.
لكن هذا التحليل لا يشكل إدانة ولا تبرئة لأي طرف؛ بل يقدّم أدوات مفاهيميةلفهم طبيعة الانحراف المؤسسي في المنطقة الرمادية بين القانون والأخلاق.

محمد براو، خبير دولي في الحكامة ومكافحة الفساد

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.