قراءة هادئة بعيدة عن السياسة في تصريح بنسعيد وزير التواصل

0

الگارح ابو سالم

في خضم النقاش الذي فجّره التسريب المرتبط بأشغال المجلس الوطني للصحافة، جاء تصريح وزير الشباب والثقافة والتواصل داخل البرلمان، في معرض رده عن تساؤلات عدد من النواب، ليؤكد أن المجلس “هيئة مستقلة لا يحق للحكومة التدخل في شؤونها”، وهو تصريح يستحق الوقوف عنده، لا من باب السجال والمشاكسة  وإنما من زاوية تحليلية تُعيد ترتيب المفاهيم وفق ما يمليه القانون وروح التنظيم الذاتي. فالاستقلالية ليست إعلان نوايا، ولا وصفة جاهزة، بل هي بنية قانونية ومؤسساتية لا تستقيم إلا حين تُدار الهيئات المهنية بمعزل عن أي تأثير تعييني أو توجيهي من السلطة التنفيذية.

لا يختلف اثنان حول أهمية استقلال المجلس الوطني للصحافة، لكن المعايير القانونية التي تُقاس بها الاستقلالية تُظهر تناقضاً واضحاً: حين تكون الحكومة هي التي شكلت اللجنة المؤقتة، وحددت تركيبتها، ومددت صلاحياتها خارج الإطار الانتخابي، فإن الحديث عن “الاستقلال” يصبح إشكالاً مفاهيمياً أكثر منه توصيفاً مؤسساتياً. ، فالمبدأ القانوني يقول بوضوح: من يعيّن يؤثر، ومن يمدد يوجه، وبالتالي، لا يمكن لجهة تملك مفاتيح تشكيل الهيئة أن تُعلن براءتها من مسؤولية قراراتها،فاللجنة المؤقتة وُلدت بقرار حكومي، واستمرت بقرار حكومي، ومنحت صلاحيات واسعة في غياب المسطرة الانتخابية والتسجيل المسرب من اجتماع لجنة الأخلاقيات، التابعة للجنة المؤقتة، كشف عن طريقة تدبير لا تنسجم مع معايير الحياد، ولا مع ضمانات حقوق الدفاع، ورغم خطورته، لم يتجاوز الخطاب الرسمي في ردوده البرلمانية الحديث عن “الاستمرارية المؤسساتية” دون أي التزام صريح بفتح تحقيق مستقل وهنا يحق لنا ان نتساءل : كيف يمكن لهيئة مؤقتة تُثار حولها شبهات ،الإخلال بحقوق الدفاع أن تستمر في ممارسة صلاحيات تأديبية دون مراجعة منهجية؟

وإذا كانت الهيئة مستقلة فعلاً، فما الجهة المكلفة بضمان احترام الإجراءات والحقوق؟ وإذا لم تكن الحكومة معنية، فمن يتحمل مسؤولية محاسبة الخلل؟علما ان عددا من المنظمات الحقوقية، وعلى رأسها المنظمة المغربية لحقوق الإنسان، قدّمت موقفاً واضحاً عقب التسريب، دعت فيه إلىوقف عمل الأعضاء الذين شابت ممارساتهم خروقات؛وإدماج الملاحظات الحقوقية في مشروع القانون الجديد؛و حماية الصحفيين من أي تضييق محتمل؛ وضمان مسار تأديبي شفاف وغير منحاز.

هذه المواقف لم تأت في سياق سياسي ضيق، بل نتيجة قراءة لبيئة مهنية تحتاج إصلاحاً أعمق مما توحي به التصريح البرلماني .

الصحافة المغربية اليوم أمام لحظة مفصلية:إما تنظيم ذاتي حقيقي يضمن الاستقلالية المؤسسية والمساءلة الشفافة، وإما استمرار بنية هجينة تُرفع فيها شعارات الاستقلالية بينما تستمر آليات التعيين والتمديد في إنتاج منطق الوصاية.
فالاستقلالية لا تُقاس بالخطاب، بل بالمساطر:من يعيّن؟ ومن يراقب؟ومن يحاسب؟ ومن يضمن ألا تتحول الصلاحيات التأديبية إلى أدوات للهيمنة بدل حماية المهنة؟

ختاما ،الإصلاح الحقيقي للمجلس الوطني للصحافة لن يتحقق إلا عبر مقاربة تشاركية تتسع للصحفيين، والهيئات الحقوقية، والمؤسسات الدستورية التي قدمت مذكرات غنية بالاقتراحات، وحده هذا المسار قادر على تحويل الاستقلالية من شعار برلماني إلى قاعدة قانونية صلبة. باعتبار ان الصحافة ليست قطاعاً تقنياً يُدار بالقرارات الإدارية، بل ركيزة للديمقراطية. وحين تُستعمل الاستقلالية لتبرير الوصاية، يصبح النقاش ضرورياً… والإصلاح واجباً… والمسؤوليات واضحة مهما حاول الخطاب السياسي تلطيفها.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.